لم تستطع عيناي النوم منذ خرجت من سجني في العراق مؤخراً، ففرحة الخروج لم تكتمل، عندما آوي إلى فراشي تملأ سمعي اصوات الأنين والصراخ، وعلى بصري لون الدماء،..وعلى نفسي رائحة الجثث المتعفنة..فلا أصحو ولا أنام إلا على المأساة، التي عشتها طوال أربع سنوات ونصف، ذقت خلالها أشد أنواع التعذيب ضراوة،..فما رأته عيناي يفوق الوصف، وتعجز الكلمات عن النطق به، وهي حالات تكررت لحين خروجي من سجني، الذي دفعت عشرات الآلاف من الدولارات لأبقي على حياتي، وكذلك يفعل كل سجين، ومن لم يملك المال فليس له إلا القتل ورمي جثته في المزابل، بعد تشويهه، كي لا يتعرف عليه أحد.. فيدفن تحت اسم (مجهول الهوية) وإليكم يا أحرار العالم نماذج على ما يجري في سجون العراق الآن :
الاغتصاب
اعتقلوا طفلاًً صغيراً لم يتجاوز عمره سبعة أعوام وأمه كرهينتين عن زوجها، وادخلا غرفة التحقيق، التي كنت فيها وقتئذ للتحقيق معي بعد حفلة تعذيب يشيب منها الولدان..وما إن رآهما المحقق والجلادون حتى انهالوا عليهما ضرباً ورفساً بعنف، لم أسمع أو أرى له مثيلاً، وصراخهما وتخبطهما يدمي القلب، حتى فقدا الوعي..فلم يمهلوهما حتى رمى أحد الجلادين الماء على وجهيهما وسألوها عن زوجها..وعندما نفت علمها بمكانه، أشار المحقق إلى جلاديه قائلاً: اختموا الطفل..(وهي أمر باغتصابه)، فصاحت والدته مستجدية باكية ناحبة..فلم يستجب لها..واتجه عدد من الجلادين باتجاهها، ونزعوا عنا ثيابها، وانقضوا عليها ليغتصبوها بوحشية أمام طفلها، الذي كان ينتفض مرتعشاً، باكياً، خائفاً..وهي تتلوى وتصيح مستجدية.. وما إن انتهوا من الأم حتى اقترب المحقق من الطفل واغتصبه أمام أمه، التي كانت تستجدي وترمي بنفسها على قدمه ليتركه..فرفسها، فأدمى وجهها، وكسر فكَّها، واستمر في فعلته..وما إن انتهى حتى بال على وجه الأم وطفلها، وأمر رجاله بإعادتهما إلى سجنهما.. وظلَّ هذا حالهما لأيام عدة..
لقد دأب الجلادون على اغتصاب السجناء على شتى أعمارهم..ولقد رأيت بأم عيني شباباً اغتصبوا من قبل الجلادين والمحققين..وكان أكثر المعتدى عليهم يترفعون عن ذكر ما جرى معهم، خجلاً وخشية الفضيحة..ولكن الأمور عامت على السطح، عندما زارت السجن لجنة من أعضاء البرلمان للإطلاع على حالة السجناء..فتقدم العشرات ممن اغتُصبوا وطلبوا لجنة طبية للكشف عليهم..ولما غادر النواب السجن..أعادوا الكرة على السجناء مرة أخرى، دون خوف، من عقاب، أو مسؤولية، قائلين لهم: فليأت النواب، ومن ورائِهم رئيس العراق، وكل من به زود، فلن يستطيعوا الزود عنكم..وكانوا يرددون: إذا طال بك السفر فعليك بنكح الذكر..
كان الاغتصاب يبدأ كل يوم بعد حلول الظلام مباشرة.. وبعد تناول الجلادين حبوباً أطلقوا عليها اسم (الحبوب الوردية) وهي نوع من المخدرات التي كانت منتشرة على نطاق واسع بين الجلادين والمحققين والضباط على حد سواء فضلاً عن الخمور التي كانت تفوح رائحتها وتصل إلى كل الزنازين.
أما فضائح لواء الذيب السيئ الصيت..ومقره عند ملعب الشعب أو ما يطلق عليه: (الساد فور)، فلا يمكن حصره بين دفتي كتاب، فحالات التعذيب، والقتل، والتشويه، وثقب الرؤوس، والعظام، وتشويه الوجوه، وقطع الأعضاء شيء لا يُحصى عدداً، ولا تستوعبه الكلمات ولا العقول، وسأذكر نماذج رأيتها بأم عيني (والله على ماأقول شهيد)، ليعلم العالم ما جرى ويجري الآن في سجون العراق:
اعتقلوا شيخ وإمام مسجد في الحرية، ويُدعى الشيخ (يونس المشهداني أبو فاطمة) دون تهمة محددة، وعند التحقيق معه وتعرضه للتعذيب الشديد، لم يثبت عليه شيء يدينه..فربطوا يديه إلى الخلف وعلقوه منهما في السقف من غروب الشمس إلى ضحى اليوم الثاني حتى فقد وعيه..وبعد استيقاظه في اليوم الثاني على أثر الماء الملقى عليه، انهالوا عليه ضرباً بالكابلات الكهربائية المجدولة، فمزقوا جسده العاري،..وهم يتضاحكون ويرشونه بالماء ليزيدوا عليه الألم، وعندما فقد وعيه رموه في زنزانته بعد أن أغرقوها ببولهم وروثهم..وعند حلول الظلام، أخرجوه للتحقيق مرة أخرى..وربطوا يديه بسلاسل حديدية كل واحدة في جهة، وشدوهما برافعة أطلقوا عليها اسم (بلنك)..حتى انخلع كتفه من مكانه وسقطت يده على جنبه، وظلَّ هذا حاله سنوات عدة دون علاج، وخرجت من السجن وهو على حالته تلك..
ومن الأمور التي رأيتها وكانت عامة بين المعتقلين، وخاصة المصلين منهم، كسر أصبع السبابة بأخمص البندقية..فضلاً عن تكسير أسنان السجناء فترى السجين يتلوى من الألم مستجدياً حبة مسكن تخفف عنه دون جدوى
التعذيب في الكهرباء
وهي حالة من مئات الحالات التي رأيتها؛ وكان أكثرها تأثيراً ما رأيته بأم عيني..إذ كانوا يأتون بالمعتقل بعد حفلة تعذيب شديد، تمتد لعدة أسابيع مستمرة، ويضعونه على كرسي حديدي، بعد ربط قدميه ويديه به، ثم يضعون على رأسه وصلة قماش، و يطرحون عليه الماء من رأسه حتى أخمص قدميه، ويصلون وصلة القماش بأسلاك كهربائية، فينتفض ويتخبط وخلال ثوان يفارق الحياة..ومن ثَمَّ يضعونه في صندوق سيارة، ويلقون به في مكان يسمى (السدة)..وآخرون يوزعونهم على بقية أحياء بغداد، ويتم ذلك كله بعد الثالثة فجراً، ومنهم من يضعونه في أكياس سوداء، ويلقونه في نهر دجلة، ليتفسح وهؤلاء ممن تعرض جسده للتمزيق، والبتر المرعب...وكان المسؤول عن تلك الحالات رجل دين يسمونه بـ(السيد)..الذي كان يلقي درس فقه على الجلادين بعد كل حفلة إعدام.ـ
الحقنة القاتلة
التقيت بأحد المعتقلين وهو في حالة يرثى لها.. وعندما سألته عن حالته وصحته المتردية.. أجابني بجهد جاهد وبصوت أشبه بالهمس: لقد حقنوني بإبرة قبل أسبوعين وأحسُّ بنفسي أنني ميت، لقد سمعتهم يقولون بعد حقني، أنهم انتهوا مني، وطلب المحقق إخفاء الإبرة التي حقنوني بها..وسأروي لك ما فعلوا بي ولكن لا تبح بها لأحد، خوفاً على أهلي من بعدي..ومن عجائب القدر، أنه فارق الحياة قبل إخباري بما جرى..فأمروا المساجين بحمله إلى إحدى سياراتهم، التي ألقت به ليلاً في أحد شوارع بغداد..ومن أمثال هذا الشاب الكثيرين ممن حقنوا بهذه المادة السامة التي تتفاعل مع جسد المعتقل ببطء شديد كي يعتقد السجناء أنه مات بشكل طبيعي دون مساس من الجلادين..
العرب في سجون العراق
صبَّ محررو العراق الجدد على العرب جام غضبهم وحقدهم، فأصدروا أوامرهم باعتقال كل عربي مقيم في العراق على شتى مشاربهم وجنسياتهم وكان مما رأيت أعدداً كبيرة منهم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب..وأذكرمنهم مواطناً يُدعى (ثروت) من صعيد مصر يملك رافعات تعمل في الأبنية المرتفعة، وكان متزوجاً من عراقية وعنده منها عدة أطفال، فدخلوا عليه البيت وقتلوا أولاده وزوجته أمام عينيه..وصادروا أمواله واعتقلوه وتعرَّض لأشد أنواع التعذيب شراسة وفي إحدى حفلات التعذيب ضربوه بقطعة حديد على رأسه ثلاث ضربات فأصيب بالشلل..وهو الآن قابع في معتقل الرصافة السابعة منذ خمس سنوات.ـ
التقيت بشاب سوري من مدينة حلب يُدعى (عبد الله) من مواليد العراق كان يقطن في بغداد حي الدورة مع عائلته منذ منذ أكثر من ثلاثين عاماً..داهموا بيتهم فقتلوا والدته وأخته الشابة وأخيه الطفل، ثم أخذوه مضرجاً بدمائه وصبّوا عليه أشد أنواع التعذيب ضراوة وكانت تهمته الكبرى أنه من جماعة معاوية بن أبي سفيان..
كانت اللعنات تتوالى على صحابة رسول الله آلاف المرات كل يوم..واتهامهم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.فضلاً عن شتم الذات الإلهية..
ومما يُذكر أنهم كانوا يأتون بالمعتقل العربي ويصورونه تلفزيونياً بعد أن يضعوا إلى جانبه مجموعة من الأسلحة مدَّعين أنه استعملها فقتل وفجَّر..لإدانته بعمل لم يقم به..وكثيرة أمثال تلك الحالات..
القتل الجماعي المبرمج
قصف المعتقلين بالصواريخ
في يوم الأحد 9/12/2007م أدخل ضباط الرصافة مجموعة من جيش المهدي تحت مسمى فنيين لترميم بعض الأجهزة الكهربائية المتعطلة..وقبل مغادرتهم وضعوا أقراصاً معدنية في بعض أقفاص المعتقلين..لم يرتاب أحد بها..وفي صباح يوم الاثنين بتاريخ 10/12/2007م..كانت جميع أبراج المراقبة فارغة من الحرس على غير العادة..وبعد لحظات سقط عدة صواريخ في الأماكن التي وضعت فيها الأقراص..وراح ضحية ذلك تسعة قتلى وأكثر من خمسين جريحاً..وكذلك حدث الشيء نفسه في بقية معتقلات الرصافة..وتكرر ذلك مرات عدة مع توالي الأيام..
تسميم مياه الشرب
بعد ثلاثة أشهر من قصف جيش المهدي السجناء بالصواريخ، قام المشرفون على معتقل الرصافة بتسميم ماء الشرب فأدى إلى إصابة جميع المعتقلين بالإعياء الشديد والنزف الذي أصاب الأنف والشرج والجهاز التناسلي..فلم يعرهم أحد اهتماماً حتى هاج السجناء وماجو فتدخلت القوات الأمريكية التي كانت مرابطة خارج سور المعتقل فور سماعها أصواتهم..فأمرت بفحص المعتقلين وعلاجهم وقامت بفحص المياه فأراقتها على الفور وقدمت لهم عوضاً عنها زجاجات مياه معدنية مغلقة..وطلبت من السجناء عدم الشرب من الماء بعد ذلك..
حالات إنسانية
مما يثير حفيظة الإنسان أن يرى المحتل أكثر إنسانية ورحمة من أبناء الوطن الواحد..فبعد تعرض المساجين للتعذيب المرعب والقتل الجماعي وبتر الأعضاء وثقب الرؤوس والضلوع..تدخلت قوات الاحتلال الأمريكي لمعاينة الأمر عن قرب..فقام المشرفون على سجن الرصافة على الفور بنقل المعتقلين الذين أصيبوا بعاهات من أثر التعذيب إلى أبراج الحرس في أركان الرصافة كي لا يراهم الامريكان.. وكان أحد المعتقلين يتكلم الانكليزية فصاح على الجنود الأمريكيين وأخبرهم بمكان إخفائهم..فما كان منهم الا ان صعدوا الى الابراج فوجدوا العشرات من المصابين..فألقوا القبض على ضباط التحقيق وعناصر الحرس المشرفين على التعذيب..
وهناك حالة إنسانية رأيتها بأم عيني حيث كلَّفت قوات التحالف ضابطة أمريكية تدعى (روز) بالإشراف على سجن الرصافة فكانت تعطف على السجناء وتداوي جراحهم وتخفف عنهم مصابهم وألمهم وتقدم لهم الدواء والماء وكم رأيتها تساعد السجناء وتسندهم على كتفها وتنقلهم بيدها إلى أماكن علاجهم ومنهم (ثروت المصري) الذي تقدم الكلام عنه..وتسأل عن حال الجميع وعن أي تقصير في طعام أو ماء..جرى كل ذلك بعد الفضائح المرعبة التي سادت جميع السجون..
وأنا من خلال رسالتي هذه التي أوجهها إلى أحرار العالم وحقوق الإنسان والخيرين من أبناء الأمة أستنخيهم لرفع المعاناة عن سجناء الشعب العراقي والعرب المعتقلين دون ذنب أو جريمة سوى الخلاف المذهبي..والحقد على كل من هو عربي، ليبعدوا العراق ويجردوه من عروبته وأصالته العربية والإسلامية...فصوت أنين السجناء وانتهاك أعراض النساء والأطفال يمزق القلب ويدمع العين فهل يجدون أذناً صاغية..؟