الثلاثاء، 20 مارس 2012

حق الفرد في القاضي الطبيعي ودلالته الإنسانية

أن ما يعرف بمفاهيم حقوق الإنسان اليوم هي حقيقة ولدت مع الإنسان عبر تطور فلسفي وسياسي واجتماعي طويل , ويرجع الاهتمام بحقوق الإنسان إلى أنه من أغلى القيم التي يحرص الفرد عليها ويسعى جاهدا لحمايتها والدفاع عنها لأنه يمثل ثمرة كفاح البشرية خلال تاريخها , وحقوق الإنسان – في العصر الحديث – تمثل رمزا للتطور والارتقاء ,وعلامة من علامات التقدم, مما جعلها محل الاهتمام في الوثائق الدستورية والقوانين الوضعية في الأنظمة السياسية المعاصرة. والقضاء سياج هذه الحقوق ومرسى قواعد العدالة, وباسط الاطمئنان, والأمن, والسلام على من تظلهم سماء الدولة. فالقوانين التي يضعها المشرع – مهما كان سموها – لن تبلغ الغرض من سنها إلا إذا توفر على إعمالها قضاء مستقل يفرض سلطانه على الناس كافة دون أي تمييز.

وحق الإنسان في اللجوء إلى القاضي الطبيعي حق أصيل يرتبط بصفة الإنسانية ويؤدي بالضرورة إلى أن لكل فرد الحق بأن يقاضى أما قاضيه الطبيعي ,وإلا يجبر على المثول أمام غير هذا القاضي , لقد أصبح هذا المبدأ من المبادئ الأصولية العليا, بل لعله المبدأ الأول الذي يهيمن على كل نظام قضائي أيا كانت فلسفة هذا النظام .

فكرة القاضي الطبيعي قديمة حديثة اقتضاها مبدأ الفصل بين السلطات أي استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والتنفيذية, فكل تدخل من أي من هاتين السلطتين في اختصاص القاضي بمناسبة دعوى معينة, يعد اعتداء على سلطة القضاء. ويأتي هذا التدخل في شكل انتزاع دعوى من قاضيها الطبيعي طبقا لإحكام القانون الذي حدد اختصاصه, أي ولايته وجعلها من اختصاص قاضي آخر, ويعد هذا الانتزاع المفتعل للولاية, أو الإضفاء المصطنع للاختصاص, مساسا باستقلال القاضي صاحب الاختصاص الأصيل, بل يتضمن عدوانا على استقلال القاضي غير الأصيل وحياده الذي أصبحت الدعوى من اختصاصه بطريق الافتعال.

وكل ما تقدم يعد تدخلا في شؤون القضاء, لما يؤدي إلى تنحية القاضي عن دعواه, وتخصيص قاض بالذات لنظر الدعوى, لذلك فان مبدأ القاضي الطبيعي مكمل لمبدأ استقلال القضاء, ويعد أيضا نتيجة حتمية لمبدأ المساواة أمام القضاء التي تأبى إلا أن يتساوى الناس أمام قضاء واحد هم القاضي الطبيعي.

من هو القاضي الطبيعي راعي الحريات حامي الحقوق ؟

القاضي الطبيعي هو القاضي المنوط به – بحسب الأصول – تأدية العدالة, والفصل فيما ينشأ من منازعات أمام المحاكم العادية غير الاستثنائية سواء بين الأفراد بعضا أم بين الأفراد والدولة .

ومن هذا التعريف يتضح أن حق الفرد باللجوء إلى القاضي الطبيعي يعد ناقصا في حالة مثول الفرد أمام محاكم استثنائية تتميز جرائم متهميها بطابع خاص غير مستمد من تعاليم السياسة الجنائية الحديثة, وهي جرائم في الغالب تكون سياسية, ويعني عدم إنشاء محاكم استثنائية, والاحتكام إلى القضاء العام المختص بجميع الجرائم ويشتمل اختصاصه كل المتهمين. ولا يتعارض مع حق الفرد في القاضي الطبيعي أن ينشئ المشرع محاكم خاصة لفئة من المتهمين تتميز جرائمهم ومقتضيات معاملتهم بخصائص مميزة كالأحداث.

وانطلاقا من مبدأ استقلال القضاء وحياده, يمكننا أن نستخلص عناصر القضاء الطبيعي في كون المحكمة تأسست وتحددت اختصاصاتها بقانون, وذلك قبل وقوع الجريمة, وكون هذه المحكمة أيضا دائمة دون تقييدها بفترة زمنية معينة .

الجمعة، 2 مارس 2012

إلغاء عقوبة الإعدام بسبب الممارسة السياسية واجب إنساني


(( الحق في الحياة - المادة 6

1. الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.. 2.لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.)) العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

زادت تطلعات الشعوب في العقود الأخيرة إلى المشاركة السياسية مع اتساع مجالات ومستويات التواصل والوعي في ظل ازدياد المتاح من المعارف والمعلومات التي توفرت للإفراد والتنظيمات إمكانات هائلة لتبادل المعلومات والتجارب في مجالات القدرة على التعبئة والصمود . وهذه التطلعات ساهمت في تطوير مفاهيم حقوق الإنسان لتشمل الشعوب ,والمجموعات العرقية ,والأقليات ,والمرأة .

ومع تزايد هذه التطلعات تزايدت مظاهر الانتهاكات لحقوق الإنسان في المشاركة السياسية ومظاهر القتل, والترويع, والاختفاء القسري, والإعدام, وتعطيل الدساتير والهيئات القضائية والإجراءات التعسفية الأخرى, وإعلان حالات الطوارئ بما تعنيه من تعليق للحريات ,وتعطيل للقوانين ,وزيادة سلطات الحكام ,وأجهزتهم الأمنية في السيطرة على المواطنين ,واستبعاد القوى والتيارات السياسية المناوئة والمخالفة التي لا تبدي تأييدا علنيا واستبدلت بمظاهر القبول والرضا العلني الذي تفرضه سياسة الترهيب والترغيب .

ومثل التوسع في إصدار عقوبة الإعدام بسبب الموقف والرأي السياسي أبشع صور الانتهاك لحق الإنسان في المشاركة السياسية والحق بالتعبير والرأي السياسي ولحقه في الحياة.وتأخذ عقوبة الإعدام أشكالا متباينة في درجاتها ومداها وطبيعتها ,فقد تكون بدون محاكمة ,أو دون سند قانوني ,أو بدون حق للمتهم في الدفاع عن نفسه ,أو الاستئناف , أو في محاكمات صورية ,كما أنها قد تصدر بحق من لم يستخدموا العنف ولم يثبت انتماؤهم إلى أي مجموعة إرهابية بل بعض النظم السياسية تتوسع متجاوزة بتنفيذ الإعدام ليس في المتهم فقط أو المذنب , ولكن أيضا في بعض أفراد أسرته أو رفاقه .وفي بعض الأحيان الذين يبدون رأيا قانونيا أو شرعيا يفهم عدم الرضا عن التوجه لتنفيذ عقوبة الإعدام دون تبصر أو رادع من ضمير أو قانون . وغالبا ما تحدث دون أن تدعمها مستندات أو إجراء تحقيقات كافية وعدم إعطاء فرصة للمتهم أو وكيله للدفاع.

وتشمل حالات الإعدام المذكورة أعلاه مايلي :-

1. الاغتيالات السياسية للمعارضين لسياسة الحكومات, والتي تأخذ صور مختلفة من حالات قتل مجهولة, أو حوادث طرق, لتبدوا الحكومات أنها لا العلاقة لها بهذه الجرائم.

2. الوفاة الناجمة عن التعذيب والمعاملة السيئة في السجون أو في مراكز الاحتجاز لسجناء الرأي.

3. الوفاة الناتجة عن حالات الاختفاء القسري ,الاختفاء قانونا يأخذ صورة ألقاء القبض على الأشخاص واحتجازهم أواختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم على أي نحو آخر من حريتهم على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعات منظمة أو أفراد عاديين يعملون بأسم الحكومة أو بدعم مباشر أو غير مباشر منها أو برضاها وقبولها ثم رفض الكشف عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون وتعتبر جريمة الاختفاء ألقسري مستمرة باستمرار مرتكبيها من التكتم على مصير ضحايا الاختطاف القسري ومكان إخفاؤه وما دامت هذه الوقائع ظلت بدون توضيح (الإعلان الدولي الخاص بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الاختفاء القسري ظاهرة مرتبطة بالأنظمة الدكتاتورية ويظل العراق الدولة التي تمثل العدد الأكبر من حالات الاختفاء القسري على مستوى العالم حيث يختطف الإفراد من مختلف أطياف الشعب العراقي لأسباب مختلفة من منازلهم وأماكن عملهم أو دراستهم ويتم إنكارهم على ذويهم لمعرفة مصيرهم وبذلك ينتهك هذا النظام حتى دستوره الذي وضعه والداعي إلى احترام حقوق الإنسان ومنها حقه بالحياة وبمحاكمة عادلة وحقه بالدفاع عن نفسه وينتهك كافة المواثيق الدولية التي تنص على حق الإنسان بالحياة والأمن والحرية والحق في سلامة جسده من التعذيب والحق بمحاكمة عادلة .

4. حالات الوفاة الناتجة عن فرط استعمال القوة من جانب المكلفين بإنفاذ القوانين,حالات الإعدام دون إتباع الأصول في قواعد الإجراءات القانونية .

5. الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة أعدم الكثير من المعارضين السياسيين من خلال قرارات محاكم وهمية أو قوانين تنتهك ابسط حقوق الإنسان بمحاكمة عادلة والدفاع عن نفسه أو تجرم أفعال لا تعد جرائم خطيرة على النظام بالمفهوم القانوني وحتى الوطني والكثير من هولاء السجناء قضوا تحت التعذيب لانتزاع اعترافاتهم وربطت بملفاتهم قرارات محاكم بإعدامهم وهم لم يحضروا مرافعاتها أو حضورهم وإنكارهم ارتكاب الجرائم ورغم عدم وجود أي أدلة يحكم عليهم بالإعدام بالإضافة إلى إعدام أشخاص دون سن الثامنة عشر بعد تزوير شهادات ميلادهم بتقارير مفبركة من الطب العدلي وأعدم الكثير من الأشخاص لمجرد انتمائهم لحزب سياسي معارض لسياسات النظام أو حتى لمجرد انتقاد سياسات النظام دون أي انتماء سياسي .أما الإعدام دون محاكمة فكثيرا جدا مايحدث عندما نصب قادة الجريمة أنفسهم شرطة وقضاة وجلادين وأصدروا أحكامهم بقتل الآلاف من الناس دون أي محاكمة أو ذنب جنوه ورغم أن المعاهدات الدولية والمتمثلة في مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة والتي نظمها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 44\163 في 15 كانون الثاني \1989 والذي يحظر جميع عمليات الإعدام أعلاه وطلب من الدول اعتبارها جرائم بموجب قوانينها الجنائية والمعاقبة عليها بعقوبات رادعة تراعي درجة خطورتها ولا يجوز في مثل هذه الحالات التذرع بالحالات الاستثنائية بما في ذلك حالة الحرب أو التهديد بالحرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أي حالة طوارئ عامة أخرى لتبرير عمليات الإعدام حتى في حالة نزاع مسلح وحالات استخدام القوة بصورة مفرطة ـأو مخالفة القانون من جانب موظف حكومي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية

6. .أعمال الإبادة الجماعية :يعرف خبراء القانون الدولي مصطلح الإبادة الجماعية ( جريمة يقصد بها التدمير الكلي أو الجزئي لجماعات قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية عبر صور متعددة وسوا ء كانت الجريمة مباشرة أو بصورة غير مباشرة سواء بالتحريض عليها أم بالتآمر على ارتكابها سواء أثناء الحرب أو السلم وهي جرائم ضد الجماعة) وأشار نص اتفاقية منع إبادة الجنس البشري إلى أي من الأفعال الآتية يعتبر جريمة إبادة بشرية :-قتل أعضاء الجماعة, إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بالجماعة ,إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية صعبة للغاية يكون القصد منها تدمير ها كليا أو جزئيا ,فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب أطفال داخل الجماعة, نقل أطفال من الجماعة إلى جماعة أخرى عنوة.كل هذا يحدث لمنع الجماعات القومية ,أو الاثنية ,أو الدينية أو الطائفية من ممارسة حقها في المشاركة السياسية

الحق في المشاركة السياسية والحق في الاختلاف عناصر مهمة وردت في جميع إعلانات و مواثيق حقوق الإنسان ودساتير الدول كافة وتحتاج إلى وقفة من الجميع لحماية هذا الحق وكفالته والدفاع عن ممارسة جميع الناس لهذا الحق , وهي أهم قواعد اللعبة في أي نظام سياسي يحترم تطور قيم الممارسة السياسية التي جعلت من قيم الإنسان قيم عالمية .

حان الوقت الذي يصبح فيه الإنسان حرا آمنا ومستفيدا من التشريعات والعهود الدولية التي تدعو لإلغاء عقوبة الإعدام بسبب الممارسة السياسية. ولنقف جميعا ونمارس كل الضغوط التي تبيح للدول التنكيل بمعارضيها ونطالب بإلغاء عقوبة الإعدام بسبب الممارسات السياسية وليصبح الحق بالمشاركة السياسية حقا قانونيا غير قابل للمساومة ومتاحا للجميع بعيدا عن أي شكل من أشكال الضغوط والتخويف والترويع .