الأطفال هم زينة الحياة وقد جاء في الذكر الحكيم"الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"*1، وذكر عن الأمام علي بن أبي طالب(رض) قوله" المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الآخرة ، وقد يجمعها الأقوام". كما وصفهم الأحنف بن قيس بقوله"الأطفال ثمار القلوب وعماد الظهور، نحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة"* 2.
إذا كان الشباب هم سواعد الأمم فإن الأطفال هم الأقدام التي تقف عليها الأمم, وإذا كان الشباب هم قوة الحاضر فإن الأطفال هم قوة المستقبل, وان كان الشباب هم ضمانة اليوم فالاطفال هم ضمانة الغد، لذلك تعطي الأمم المتطورة للاطفال أهمية عظمى بل الأسبقية والأفضلية في العناية والحرص مقارنة ببقية أفراد المجتمع. وأطفال العراق نكبوا بنكبات الوطن وإن كان مصابهم أشد من البقية لأنهم فقدوا معنى الطفولة وبرائتها، وتنكرت لهم الحكومة الإحتلال ونأى عنهم الرأي العام العالمي لقد خنقتهم الشرعية الدولية قبل غيرها التي اعتبرت غذاء الطفل وتطعيمه باللقاحات ضد الأمرض وقلم الرصاص الذي يتعلم به مواد محظورة يساعد على إنتاج أسلحة الدمار الشامل! تلك الأسلحة الخيالية التي لم يعثر عليها في العراق! وتبين أنها لم تكن سوى مسرحية مفبركة خططتها الولايات المتحدة ونفذتها الأمم المتحدة. ثم ذبحتهم قوات الغزو الغاشم عام 2003من الوريد إلى الوريد. وأكملت الحكومة العراقية عملية سلخهم بعد الغزو.
مستقبل العراق بلا شك بيد عفريت طالما أن الطفولة همشت من الحياة العامة وإنتحرت براءة الأطفال على مذبح الديمقراطية الامريكية أمام أعين الشرعية الدولية الكسيحة العاجزة منذ التسعينيات من القرن الماضي عن إنقاذ أطفال العراق. فموت اكثر من نصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار الإقصادي الظالم لم يزحزع صخرة الجمود الدولي من موقعها, والأستهانة بطفولة العراق وصلت قمتها عندما سئلت الأفعى الأمريكية مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية السابقة عن رأيها بالحصار الظالم الذي تسبب في وفاة نصف مليون طفل عراقي حتى عام 1996؟ فردت: بكل حقارة وسفالة " أن الثمن يستأهل"! عبارة تأريخية لم يتفوه بها أي مجرم لا في التأريخ البعيد ولا القريب، فهل هناك تكريم وإحترام لحقوق الطفل والقيم الإنسانية أكثر من هذا؟ ويقدر جيف سيمونز عدد قتلى العراق منذ فرض الحصار الإقتصادي ولغاية عام 2003" حوالي مليون و700 ألف شخص معظمهم من الاطفال".
في الوقت الذي أرسلت جمعية أصوات في البرية (VOICE IN THE WILDNESS ) رسالة ساخرة الى الرئيس بوش ذكرت فيها " لقد اكشفنا فعلا وجود اسلحة دمار شامل! فقد مات في العراق مئات الآلاف من الاطفال بسبب العقوبات التي تصر بلادكم على ابقائها" معتبرة أن عقوبة الحصار هي من أسلحة التدمير الشامل. ويسأل جوناثان غلوفر مدير مركز القانون الطبي في (KINGS COLLEGE ) بلهجة حادة بريطانيا " هل تستطيعون تنبرير قتل أطفال العراق"؟ منبها حكومته بأن عدم معرفة الآخر وبعد المسافة قد يخدران البصيرة الاخلاقية" وفعلا تخدربل شل كلاهما.
إستمرت مأساة الطفولة في العراق لتشهد ذروتها أبان الغزو الأمريكي للعراق, فقد أشارت إحصائيات الحكومة الى وجود(5) مليون يتيم يعيشون في ظروف قاهرة, وحوالي (500000) منهم بلا مأوى وأن 1 من 8 طفل عراقي يعتبر مشردا وفق ما ذكرته منظمة( إنقذوا الطفولة) الأمريكية. وبسبب الهجرة الداخلية والخارجية ترك أكثر من ربع مليون طالب مقاعد الدراسة عام 2008 فضلا عن (760000) طفل لم يلتحقوا أصلا الى المدارس مفضلين عليها الإنخراط الى سوق العمل والشحاذة. كما يعاني(2) مليون طفل من سوء التغذية والخدمات الصحية والتعليمية مما يجعلهم لقمة سائغة للأعتداءات الجنسية وسلعة رخيصة لتجارة الأعضاء. كما ذكرت منظمة( أصوات الطفولة) وجود(11000) طفل مدمن على المخدرات في العاصمة بغداد فقط, وأن المئات من الفتيات أصبحن ضحايا للإغتصاب, وإن(1300000)طقل تتراوح أعمارهم ما بين 8- 16 سنة دخلوا سوق العمل وغالبا ما يتعرضون الى التحرش الجنسي.
لقد بدأ مع الغزو الديمقراطي فصل أكثر ظلاما وعتمة من فترة الحصار الإقتصادي رغم فداحة ظلمته وشدة خسائره، فقد أنتجت ماكنة الإحتلال البغيض جميع أنواع مبيدات الطفولة الفعالة وبمواصفات متطورة وسريعة وبأغلفة متعددة الألوان من التحرش الجنسي والإستغلال الجنسي والإعتداء الجنسي والشذوذ الجنسي والإغتصاب الجنسي والمتاجرة بالأعضاء. وقد ورثتها الشرطة العراقية والميليشيات الطائفية بأمانة وحافظت عليها بل وسعتها لكسب المزيد من الكبائر. ورغم ان وسائل الإعلام تناولت هذا الموضوع الشائك لكن الضوء في الحقيقة كان خافتا ولم يسلط إلا على مساحات محدودة لم تصل الى الزوايا الداكنة، لقلة المعلومات من جهة وضحالة الإحصائيات من جهة أخرى, علاوة على تعمد قوات الإحتلال والحكومة العراقية إخفاء تلك المعلومات خشية إثارة الرأي العام العالمي بعد أن أطمئنت لسكوت الرأي العام العراقي!. فجاءت النتيجة متقزمة وليست متعملقة بصورتها الحقيقية. كما يرجع هذا الإخفاق لعدة عوامل منها:ما يتعلق بالأطفال أنفسهم كالخجل والضوابط الدينية والأخلاقية والإجتماعية التي تمنع الأطفال من الحديث عن الجرائم الجنسية التي لحقت بهم. كذلك الخوف من العار الذي سيلازمهم طيلة حياتهم في حالة إنكشاف أمر الإعتداءات الجنسية الذي تعرضوا لها. والخوف من البوح بما تعرضوا له بسبب التهديدات والوعيد من قبل من أغتصبهم سواء من الجنود الأمريكان أو الشرطة العراقية أو الميليشيات بأن العاقبة ستكون أشد في حالة كشف الأمر. أو مخافة أسرهم من الإبتلاء بردود فعل الجهات التي أغتصبت أطفالهم فالسكوت أكثر أمانا من الحديث. إضافة الى عدم إدراك الأطفال أنفسهم حجم تلك المشكلة لقلة وعيهم وإدراكهم وعدم تصورهم للآثار التي ستنجم عنها في المستقبل، مثل الإنطواء عن المجتمع وعدم الإنتماء اليه وربما محاولة الإنتحار، والشعور بالنقص وعدم إحترام النفس، والشعورالملازم بالخوف والإكتئاب، ونزعة العدوان أحيانا على الآخرين، كذلك الإضطرابات السلوكية تجاه الآخرين، الأنحراف الجنسي المبكر. والتوجه الى الإدمان على الخمر والمخدرات، إضافة الى الإضطرابات الصحية والنفسية التي ستلازمهم طيلة حياتهم.
ومنها ما يتعلق بالضغوط التي تتعرض لها وسائل الإعلام من إدارة الأحتلال وحكومة العراق المنصبة لطمس هذه الحقيقة المرة التي تنافى مع شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. وخلال السنوات العجاف السابقة ظهرت تصريحات في وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية بشأن هذه المأساة مع تغاضي مقصود من حكومة الأوغاد*3 فلم يظهر تصريح بشأن إغتصاب الطفولة في السجون الإحتلالية والعراقية، وإنما أشير مرة واحدة لظاهرة بيع الفتيات وبالطبع لأغرض جنسية بعد أن أضرمت الشرارة السيدة الفاضلة يناير محمد رئيسة منظمة حرية النساء في العراق بإعلانها عن " إقبال خليجيين على فتيات عراقيات صغيرات في السن مقابل مبالغ مالية وصلت إلى آلاف الدولارات، ليتم التمتع بهن لسنة ثم تركهن في أسواق النخاسة". وتناقلت مجلة( Time) الأمريكية الموضوع فنشرت" أن أمهات عراقيات يسهمن عمليا ببيع بناتهن الصغيرات بعمر 12 سنة بأسعار تصل إلى 30 ألف دولار، وتعبر بهن منظمات الإتجار إلى أسواق دول الجوار بشكل غير قانوني" فإضطرت الحكومة الى تأكيد وجود تلك الظاهرة في تصريح نشرته العربية نت" إن بيع فتيات عراقيات، ومنهن صغيرات السن، لمنظمات الإتجار بالبشر ثم تسفيرهن إلى دول الجوار، ودول الخليج، ظاهرة موجودة والحكومة تعلم بها وتحاول ردعها "! مع العلم إن الحكومة هي أحد أهم أطراف تلك التجارة! وفي مقال نشره ويليام فيشر من ( وكالة أنتر بريس سيرفس) ذكر فيه بأن شركا الخدمات الأمنية الأمريكية العاملة في العراق ومنها سيئة الصيت (بلاك ووتر) التي غيرت أسمها حاليا الى( XE) بعد أنتشار فضائحها متهمة " بإتهامات جديدة تتمثل بممارسة القتل، ودعارة الأطفال، وتهريب الأسلحة، وتدمير شرائط مصورة تحتوي علي أدلة".
تحذيرات لحكومة الإحتلال صدرت من قبل منظمات إنسانية ومنظمات مجتمع مدني عديدة ووسائل إعلام وشخصيات عديدة بما فيهم أعضاء في مجلس الشيوخ الامريكي، لكنها لم تتمكن من إختراق جدار نخوتها المدرع ضد الفضيلة والقيم الإنسانية, أشارت معظمها إلى تفشي ظاهرة المتاجرة بالأطفال لأغراض جنسية وتجارة الأعضاء والأغتصاب في السجون, فقد حذر السيناتور الجمهوري (لينزي غراهام) خلال جلسة إستماع الكونغرس بشأن عمليات التعذيب التي ترتكبها قواتهم الغازية والشرطة العراقية في السجون من" وجود إنتهاكات تتعلق بالإغتصاب". كما كشفت صحيفة الغارديان عن توسع التجارة بأطفال العراق وتهريبهم الى الخارج لأغراض جنسية, وأفصح مراسلها في بغداد عن بيع ما لايقل عن(150) طفلا سنويا بأسعار تنافسية تتراوح ما بين 286-5720 دولار حسب العمر والجمال, ورغم هامشية هذه الأرقام لكن الصحيفة إعترفت بأنه من الصعب الحصول على الأرقام الحقيقية، لكن التجارة بالأطفال بدأت بالإرتفاع منذ عام 2005 بمقدار الثلث! والمصب الأخير للأطفال هو الأردن وسوريا ودول الخليج العربي إضافة الى تركيا والدول الأوربية. كما تحدثت صحيفة الاندبندنت في مايو 2004 عن وجود " صور جديدة تظهر إعتداءات جنسية وإغتصاب لأطفال عراقيين" بل إنها نشرت رسم كاريكاتوري- يفترض أن ينكس إلاعلام العراقي ونقابة الصحفيين رأسهم خجلا منه- يمثل نصب الحرية عاريا وجاثما على ركبيته تشبها بوضعية سجين عراقي نشرت صورته وهو يعذب بهذه الطريقة في سجن أبو غريب". وكشف تقرير دولي أصدرته (الشبكة الموحدة للإعلام الإقليمي) والتي تنسق نشاطاتها مع الأمم المتحدة عن معاناة اطفال العراق من الاستغلال الجنسي بعد تردي أحوال المعيشة. وجاء في تقرير لها بهذا الصدد حكاية عن قيام إمرأة عراقية ببيع طفليها بأعمار 13 و14 سنة إلى عصابة تتاجر بالأطفال, وغالبا ما يستخدمون للمتاجرة بأعضائهم أو لأغراض الجنس.
بعد ان نقلت منظمة العفو الدولية عن السجين العراقي علي صفار الباوي وصفه لعملية اغتصاب قذرة لطفل عراقي أعتقل معه من قبل الحرس الوطني وحديثه عن اغتصابات أخرى جرت على أيدي قوات الاحتلال، وجهت المنظمة إنتقادات خجولة جدا على غيرعادتها للقوات الأمريكية والشرطة العراقية رغم إعترافها بوجود ما لايقل عن(500) طفل معتقل مدعية بأنهم" مقاتلون أعداء ويمثلون هديدا للأمن"! ومن المعروف ان المنظمة الدولية كان لسانها طويل جدا وغالبا ما يخرج عن فمها أبان النظام الوطني السابق لكنها قصرته جدا منذ الغزو الامريكي لأسباب معروفة! مع هذا لنتصور سخافة الإدعاء بأن أطفال بعضهم بعمر 8 سنوات يشكلون تهديدا للأمن الوطني؟ فأي أمن إذن يتحدث عنه المالكي طالما إن الأطفال بأمكانهم تهديده وزعزعته؟ وهذا يتطابق مع ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست عن مسئول في البنتاغون قوله " كل عراقي يعتبر عنصرمقاومة حتى يثبت العكس" *4 طبعا بإسثناء العملاء والخونة المارقين.
وفي تقرير آخر أصدرته الشبكة الموحدة للإعلام الإقليمي حول الشئون الإنسانية أشارت فيه بأن اطفال العراق" يعانون من الإستغلال الجنسي، وإن مئات العائلات العراقية وجدت في تجارة جنس الشذوذ لدى الاطفال مورد معيشة لها في ظل إنسداد الآفاق وتردي الوضع الأمني بالعراق". كما صرح( جونثان ستيل) مراسل صحيفة الغارديان البريطانية بأن سجن الاحداث في الكرخ مكتظ بدرجة كبيرة فسعته الحقيقية لا تتجاوز 250 سجينا أما الاحداث المحتجزون فيه فعددهم 315 حدثا. وينامون في جو حار بدون تهوية او مراوح ولا يسمح لهم بالذهاب للاستحمام ويتعرضون لانتهاكات جنسية بشكل منتظم من قبل الحراس. لذلك حذرت منظمة( مراقب حقوزق الإنسان) قوات الإحتلال بأن عليهم "مراعاة معاملة الأطفال الخاضعين للإحتجاز على النحو المتفق مع وضعهم كأطفال، وإحالتهم للمراجعة القضائية الفورية وتمكين المراقبين المستقلين من مقابلتهم". وفي تقرير صدر عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، جاء فيه بأن " الأطفال رهن الإحتجاز العراقي يتعرضون لخطر الإساءات الجسدية". وكان الصحفيان السويديان(توربيورن اندرسون وتيريز كريستينسون) قد أثارا ضجة كبيرة بعد زيارتهما للعراق وإطلاعهما ميدانيا على مكان تجارة الأطفال وسط بغداد وتمكنا من تصوير أشرطة فديو بشأن صفقات بيع أطفال العراق, فقد بيعت الطفلة العراقية زهراء البالغة من العمر (4) سنوات بمبلغ(500) دولار! فيا لرخص أطفال العراق! وقد أثار التقريرالمصور زوبعة من الأستنكار وترجم الى(12) لغة خلال يوم واحد, وأدى إلى ضجة أثارت نخوة العالم فقد قررت السويد فتح باب اللجوء أمام أطفال العراق. لكن التقرير فشل في إثارة نخوة الحكومة العراقية العتيدة والبرلمان والمرجعيات الشيعية والسنية الرشيدة التي بلعت المصيبة بدون كأس حياء, وأولى بالشعب العراقي بأن يرفع نعش تلك الضمائر الميته ويواريها أقذر مستنقع آسن.
فيما يتعلق بالمصادر العراقية، سبق أن نوهت المحامية الفاضلة سحر الياسري بوجود (6500) طفل معتقل في السجون العراقية" دون معرفة سبب إعتقالهم؟ وإن 95% منهم تم إغتصابهم، فيما هدد المتبقي منهم بالإغتصاب"! كما تشير السيدة سميرة الموسوي رئيسة لجنة المرأة والطفل في البرلمان بأنه "على رغم إمكانات اللجنة المحدودة الا أننا تمكنا من تسليط الضوء على مشاكل الاطفال في العراق, ان اللجنة قامت بزيارة السجون والمعتقلات في وزارات الدفاع والداخلية والعدل من اجل الوقوف على أعداد الاطفال المعتقلين اذ اكتشفت ان هناك ما يقارب 1300 طفل معتقل في هذه السجون" بالطبع وزارة الداخلية لم تزود النائبة بعدد الأطفال المعتقلين في سجونها العلنية - وليست السرية - مما يرجح كفة السيدة سحر الموسوي على السيدة سميرة الموسوي. وذكر السيد عماد هادي مدير( منظمة أصوات من أجل الطفولة) بأنه " لا احد يدري بأن هناك 11000 طفل مدمن على المخدرات في بغداد فقط ولا يصدق أحد بأن اطفال العراق باتوا فريسة للاغتصاب اذ تعرض عشرات من الفتيات في سن (12 سنة) الى التحرش الجنسي، لا بل ان هناك أماكن تستخدم لممارسة الجنس مع الاطفال في بغداد والمحافظات الأخرى عملت مجموعة من المنظمة على رصدها".
أشرنا الى المصادر الأجنبية والعراقية، ولنولي شطرنا هذه المرة للأطفال أنفسهم ليحدثونا عن مأساتهم التي يقشر عند سماعها جسد أي انسان له ذرة واحدة من الأيمان بالله أو الشرف والغيرة والكرامة. نبدأ بالطفل(س) ففي لقاء نشرته صحيفة القدس العربي ذكر بأن حماة الوطن من عناصر الداخلية- الساهرون على تدمير الشعب وهدر كرامته وإنتهاك عرضه-" اغتصبوني ثلاث مرات وكانوا يستمتعون بأطفاء أعقاب السجائر في جسدي وهم في حالة قصوى من الثمالة" والطفل يعاني من آلام في الظهر والبطن ناهيك عن حالته النفسية المتردية. ومن الغريب أن كنية النقيب الذي أغتصبه( على كونية- كونية تعني الكيس الكبير من النسيج الذي يوضع فيه الرزوالطحين والسكر) وآخر(أيمن ساطورة - ساطورة هي مؤنث ساطور!)! حى كناهم أقذر منهم. طفل آخر عمره(14) عاما يصف السجن الذي كان فيه" كان مرتعا للفاسدين وعمليات القتل والتصفية من قبل أناس غرباء، حيث شاهدنا وسمعنا صراخا لرجال ونساء يتوسلون بعدم القتل والاغتصاب في ليالي عدة". وطفل آخر يبلغ من العمر(12) عاما شرح بالتفصيل لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أو الهامشي عملية إغتصابه في شريط تلفازي وكانت التهمة الجاهزة للطفل نقل إسلحة! تصوروا طفل صغير ينقل ليس قطعة سلاح واحدة وأنما أسلحة! ومن الغرائب أنه بعد لك المقابلة إنتقم منه الضباط بالإغتصاب(3) مرات أضافية بسبب جرأته وصراحته في تحدي كبير وإصرار على الشر والرذالة، ليكون هذا المسكين عبرة لكل من يجرؤ على فضح مسلك عناصر الشرطة الشائن حتى ولو تحدث بذلك مع نائب رئيس الجمهورية. وبعد هذه الفضيحة أوعز المالكي بإلتفاته أبوية في غاية الرحمة والحنان بمنع طارق الهاشمي و بقية ثوار المنطقة الخضراء*5 من زيارة السجون تيمنا بمقولة الخطيب تاسيتوس" عندما تكتشف الجريمة فلا ملجأ لها سوى الوقاحة" فذعن الخادم المطيع ملتزما بألامر الرقيع! طفل آخر أسمه(ف) وقع بأيدي ميليشيات تربط بالداخلية يصف مأساته "بقيت عشرة أيام ذقت فيها مرارة الدنيا, لقد عذبوني كثيراً وأحرقوا جسدي بالسكائر, وأجبروني على شرب العرق (الخمر) والرقص لهم بعد أن ألبسوني ثياب تخص الفتيات ثم تحرشوا بي واعتدوا علي! لم أعد أعرف ( الليل من الصبح ) كنت منهكا جداً وخاصة بعد أن .... كنت أطلب من الله أن يموتني لأرتاح".
وفي تقرير للصحفي( دونوفان وبستر) نشرته مجلة فانيتي فير الامريكية أجرى خلالها مقابلات مع عدد من السجناء أشار فيه إلى طفل يبلغ من العمر 15 سنة رمز له بالحرف(ن) وقد " أجبر على ان يقبع في صندوق خشبي وعصبت عيناه لمدة 11 يوما وانه اقتيد إلى الحمام رغما عنه وتعرض هناك للإغتصاب". وهذا طفل آخر يرمز له بالحرف(ف) -أول حرف لأسم والده - الذي قتلته الميليشيات وأحرقت بيتهم وأغتصبت إبنه الطفل وعمره أقل من (12) سنة لأسباب طائفية، فغادرت العائلة البائسة لدمشق وهي تجر العار الذي لحق بها في وطن لم يحفظ ممتلكاتها ولا أمنها ولا شرفها. وقصة عروس الشهادة عبير قاسم حمزة غنية عن التعريف. هذا الملاك الذي هيظ المحتل الآثم جناحها في ربيع عمرها الذي لم يتجاوز الخامسة عشر وقتلت واحرقت جثث عائلتها من قبل رسل الديمقراطية الأمريكية, والغريب أن تصفها المصادر الأمريكية بأمرأة شابة وليست طفلة قائلة" ثم أقدم غرين وجندي آخر على اغتصاب امرأة شابة كانت في المنزل، ثم قتلها ستيفن غرين بطلقتين أو ثلاث من رشاشه". وفي سجن شمال بغداد إعترف طفل عمره(14) سنة بإغتصابه من قبل ضابطين من الشرطة ووصف السجن بأنه كان " مرتعا للفاسدين, حيث شاهدنا وسمعنا صراخ رجال ونساء يتوسلون بأن لا يقتلوا أو يغتصبوا". وعندما نشر الخبر علق عليه أحد اكبادنا البريئة أصغر منه عمرا" اغتصبوني ثلاث مرات ولم استحم منذ اربعة شهور".
لايظن البعض إطلاقا بأن الإنتهاكات الجسيمة التي إرتكبتها قوات الغزو الأمريكية تمثل حالات أو تصرفات فردية ولا يجوز إعتبارها تجسيد لسياسة الولايات المتحدة القذرة تجاه العراقيين, لأن تلك أيضا جريمة كبرى بحق العراقيين لا يجوز تسويغها بهذه الطريقة، هاكم الحقيقة من أفواه مسئوليهم، فقد ذكر السيناتور( كارل ليفين) بأن صور أبو غريب" تمثل جزءا من سياسة تتبعها الولايات المتحدة في العراق", وأعترف العديد من الضباط الأمريكان خلال محاكمات تتعلق بإنتهاكات أرتكبوها ضد العراقيين بأنهم كانوا يتلقون توجيهات مشددة من قياداتهم العليا بشأن التعامل مع العراقيين بقسوة. بل إن بعض المحللين السياسيين أعترفوا بأن" الإنتهاكات الجنسية تعتبر من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وسيلة فعالة جدا في الوطن العربي".
ومع هذا يحتفل العالم بلا خجل والأمم المتحدة بلا ضمير بعيد الطفل العالمي ويتبرجون بمساحيق إتفاقية حقوق الطفل لأخفاء تجاعيدهم الكريهة, لقد فقد الطفل العراقي كل الحقوق الواردة في الإتفاقية إعتبارا من الحق في الحياة والتعليم والصحة والحماية من الأستغلال الجنسي والمتاجرة بأعضائه, أما الحقوق السياسية والأجتماعية والأقتصادية الواردة في الإتفاقية فهي من السخف والتفاهة بما لا تستحق التوقف عندها او التعليق عليها، هذا إذا سلمنا فعلا بوجودها وهذا من أبسط البدهيات. لقد صدق (Geoffry Keene) الناطق بأسم اليونسيف عندما صرح بأن " أطفال العراق هم من أكثر الناس في العالم تعرضا للخطر". مضيفا لتقرير ممثل المنظمة في العراق (روجر راي) بأنه يصعب في العراق حماية الأطفال وتأمين حقوقهم فهم غالبا ما يكونوا " غير مرئيين في النقاشات والتشريعات العامة في البلاد وحتى في الإحصاءات والتقارير الإخبارية" وكلاهما يتفق مع نبؤة المحلل السياسي(برونون مادوكس) قبل عدة أعوام بأن" أطفال العراق هم من يسدد فاتورة الحرب التي يقوم بها الأمريكان"*6.
لقد أينع حقل الديمقراطية الأمريكية في العراق أشواكا سامة فتكت بكل العراقيين شيوخا وأطفالا ورجالا ونساءا، لم ينجو منها إلا الطفيليات التي تعيش في المنطقة الخضراء.
هذه هي حقيقة الديمقراطية الأمريكية، بعد أن نزع العراق عن وجهها القناع الذي يخفي البشاعة والإجرام.. إنها ديمقراطية الموت والتخريب والسلب والنهب والفقر والمرض والإغتصاب والفساد بكل أنواعه.. جنب الله شعوب العالم منها, فقد كنا القربان الذي ذبح بسكينها الحادة تحت محراب الشعارات الديمقراطية الفارغة.
ولنا حديث آخر عن هذا الموضوع المؤلم بعون الله..
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
الهوامش
*1 - سورة الكهف/ الآية 46
*2- زهر الآداب لأبي إسحاق القيرواني، تحقيق د. زكي مبارك، 1/63.
*3- سمى دافيد برات المعارضين العراقيين في الخارج بـ" الاوغاد الذين يريد بوش ان يحلهم محل صدام حسين" الصنداي هيرالد/ اسكتلندا في 22ايلول 2002
*4 - عراق المسقبل- جيف سيمونز- ترجمة سعيد العظم
*5- مصطلح وقح تفوح منه رائحة الخيانة، دخل عالم السياسة مع الغزو الامريكي، أطلقه المصاب بعصاب العمالة وفيق السامرائي واصفا نفسه وزمرة الشر على أساس أنهم من قام بثورة ضد النظام السابق. ولا نعرف عن أية ثورة يتحدث الأقزام؟ هل كانت ثورة أم إحتلال؟ ومن قام بها ثوار المنطقة الخضراء أم إدارة الأحتلال؟
*6- صحيفة( The Times) بعددها الصادر بأريخ 9 نيسان 3200
إذا كان الشباب هم سواعد الأمم فإن الأطفال هم الأقدام التي تقف عليها الأمم, وإذا كان الشباب هم قوة الحاضر فإن الأطفال هم قوة المستقبل, وان كان الشباب هم ضمانة اليوم فالاطفال هم ضمانة الغد، لذلك تعطي الأمم المتطورة للاطفال أهمية عظمى بل الأسبقية والأفضلية في العناية والحرص مقارنة ببقية أفراد المجتمع. وأطفال العراق نكبوا بنكبات الوطن وإن كان مصابهم أشد من البقية لأنهم فقدوا معنى الطفولة وبرائتها، وتنكرت لهم الحكومة الإحتلال ونأى عنهم الرأي العام العالمي لقد خنقتهم الشرعية الدولية قبل غيرها التي اعتبرت غذاء الطفل وتطعيمه باللقاحات ضد الأمرض وقلم الرصاص الذي يتعلم به مواد محظورة يساعد على إنتاج أسلحة الدمار الشامل! تلك الأسلحة الخيالية التي لم يعثر عليها في العراق! وتبين أنها لم تكن سوى مسرحية مفبركة خططتها الولايات المتحدة ونفذتها الأمم المتحدة. ثم ذبحتهم قوات الغزو الغاشم عام 2003من الوريد إلى الوريد. وأكملت الحكومة العراقية عملية سلخهم بعد الغزو.
مستقبل العراق بلا شك بيد عفريت طالما أن الطفولة همشت من الحياة العامة وإنتحرت براءة الأطفال على مذبح الديمقراطية الامريكية أمام أعين الشرعية الدولية الكسيحة العاجزة منذ التسعينيات من القرن الماضي عن إنقاذ أطفال العراق. فموت اكثر من نصف مليون طفل عراقي بسبب الحصار الإقصادي الظالم لم يزحزع صخرة الجمود الدولي من موقعها, والأستهانة بطفولة العراق وصلت قمتها عندما سئلت الأفعى الأمريكية مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية السابقة عن رأيها بالحصار الظالم الذي تسبب في وفاة نصف مليون طفل عراقي حتى عام 1996؟ فردت: بكل حقارة وسفالة " أن الثمن يستأهل"! عبارة تأريخية لم يتفوه بها أي مجرم لا في التأريخ البعيد ولا القريب، فهل هناك تكريم وإحترام لحقوق الطفل والقيم الإنسانية أكثر من هذا؟ ويقدر جيف سيمونز عدد قتلى العراق منذ فرض الحصار الإقتصادي ولغاية عام 2003" حوالي مليون و700 ألف شخص معظمهم من الاطفال".
في الوقت الذي أرسلت جمعية أصوات في البرية (VOICE IN THE WILDNESS ) رسالة ساخرة الى الرئيس بوش ذكرت فيها " لقد اكشفنا فعلا وجود اسلحة دمار شامل! فقد مات في العراق مئات الآلاف من الاطفال بسبب العقوبات التي تصر بلادكم على ابقائها" معتبرة أن عقوبة الحصار هي من أسلحة التدمير الشامل. ويسأل جوناثان غلوفر مدير مركز القانون الطبي في (KINGS COLLEGE ) بلهجة حادة بريطانيا " هل تستطيعون تنبرير قتل أطفال العراق"؟ منبها حكومته بأن عدم معرفة الآخر وبعد المسافة قد يخدران البصيرة الاخلاقية" وفعلا تخدربل شل كلاهما.
إستمرت مأساة الطفولة في العراق لتشهد ذروتها أبان الغزو الأمريكي للعراق, فقد أشارت إحصائيات الحكومة الى وجود(5) مليون يتيم يعيشون في ظروف قاهرة, وحوالي (500000) منهم بلا مأوى وأن 1 من 8 طفل عراقي يعتبر مشردا وفق ما ذكرته منظمة( إنقذوا الطفولة) الأمريكية. وبسبب الهجرة الداخلية والخارجية ترك أكثر من ربع مليون طالب مقاعد الدراسة عام 2008 فضلا عن (760000) طفل لم يلتحقوا أصلا الى المدارس مفضلين عليها الإنخراط الى سوق العمل والشحاذة. كما يعاني(2) مليون طفل من سوء التغذية والخدمات الصحية والتعليمية مما يجعلهم لقمة سائغة للأعتداءات الجنسية وسلعة رخيصة لتجارة الأعضاء. كما ذكرت منظمة( أصوات الطفولة) وجود(11000) طفل مدمن على المخدرات في العاصمة بغداد فقط, وأن المئات من الفتيات أصبحن ضحايا للإغتصاب, وإن(1300000)طقل تتراوح أعمارهم ما بين 8- 16 سنة دخلوا سوق العمل وغالبا ما يتعرضون الى التحرش الجنسي.
لقد بدأ مع الغزو الديمقراطي فصل أكثر ظلاما وعتمة من فترة الحصار الإقتصادي رغم فداحة ظلمته وشدة خسائره، فقد أنتجت ماكنة الإحتلال البغيض جميع أنواع مبيدات الطفولة الفعالة وبمواصفات متطورة وسريعة وبأغلفة متعددة الألوان من التحرش الجنسي والإستغلال الجنسي والإعتداء الجنسي والشذوذ الجنسي والإغتصاب الجنسي والمتاجرة بالأعضاء. وقد ورثتها الشرطة العراقية والميليشيات الطائفية بأمانة وحافظت عليها بل وسعتها لكسب المزيد من الكبائر. ورغم ان وسائل الإعلام تناولت هذا الموضوع الشائك لكن الضوء في الحقيقة كان خافتا ولم يسلط إلا على مساحات محدودة لم تصل الى الزوايا الداكنة، لقلة المعلومات من جهة وضحالة الإحصائيات من جهة أخرى, علاوة على تعمد قوات الإحتلال والحكومة العراقية إخفاء تلك المعلومات خشية إثارة الرأي العام العالمي بعد أن أطمئنت لسكوت الرأي العام العراقي!. فجاءت النتيجة متقزمة وليست متعملقة بصورتها الحقيقية. كما يرجع هذا الإخفاق لعدة عوامل منها:ما يتعلق بالأطفال أنفسهم كالخجل والضوابط الدينية والأخلاقية والإجتماعية التي تمنع الأطفال من الحديث عن الجرائم الجنسية التي لحقت بهم. كذلك الخوف من العار الذي سيلازمهم طيلة حياتهم في حالة إنكشاف أمر الإعتداءات الجنسية الذي تعرضوا لها. والخوف من البوح بما تعرضوا له بسبب التهديدات والوعيد من قبل من أغتصبهم سواء من الجنود الأمريكان أو الشرطة العراقية أو الميليشيات بأن العاقبة ستكون أشد في حالة كشف الأمر. أو مخافة أسرهم من الإبتلاء بردود فعل الجهات التي أغتصبت أطفالهم فالسكوت أكثر أمانا من الحديث. إضافة الى عدم إدراك الأطفال أنفسهم حجم تلك المشكلة لقلة وعيهم وإدراكهم وعدم تصورهم للآثار التي ستنجم عنها في المستقبل، مثل الإنطواء عن المجتمع وعدم الإنتماء اليه وربما محاولة الإنتحار، والشعور بالنقص وعدم إحترام النفس، والشعورالملازم بالخوف والإكتئاب، ونزعة العدوان أحيانا على الآخرين، كذلك الإضطرابات السلوكية تجاه الآخرين، الأنحراف الجنسي المبكر. والتوجه الى الإدمان على الخمر والمخدرات، إضافة الى الإضطرابات الصحية والنفسية التي ستلازمهم طيلة حياتهم.
ومنها ما يتعلق بالضغوط التي تتعرض لها وسائل الإعلام من إدارة الأحتلال وحكومة العراق المنصبة لطمس هذه الحقيقة المرة التي تنافى مع شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. وخلال السنوات العجاف السابقة ظهرت تصريحات في وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية بشأن هذه المأساة مع تغاضي مقصود من حكومة الأوغاد*3 فلم يظهر تصريح بشأن إغتصاب الطفولة في السجون الإحتلالية والعراقية، وإنما أشير مرة واحدة لظاهرة بيع الفتيات وبالطبع لأغرض جنسية بعد أن أضرمت الشرارة السيدة الفاضلة يناير محمد رئيسة منظمة حرية النساء في العراق بإعلانها عن " إقبال خليجيين على فتيات عراقيات صغيرات في السن مقابل مبالغ مالية وصلت إلى آلاف الدولارات، ليتم التمتع بهن لسنة ثم تركهن في أسواق النخاسة". وتناقلت مجلة( Time) الأمريكية الموضوع فنشرت" أن أمهات عراقيات يسهمن عمليا ببيع بناتهن الصغيرات بعمر 12 سنة بأسعار تصل إلى 30 ألف دولار، وتعبر بهن منظمات الإتجار إلى أسواق دول الجوار بشكل غير قانوني" فإضطرت الحكومة الى تأكيد وجود تلك الظاهرة في تصريح نشرته العربية نت" إن بيع فتيات عراقيات، ومنهن صغيرات السن، لمنظمات الإتجار بالبشر ثم تسفيرهن إلى دول الجوار، ودول الخليج، ظاهرة موجودة والحكومة تعلم بها وتحاول ردعها "! مع العلم إن الحكومة هي أحد أهم أطراف تلك التجارة! وفي مقال نشره ويليام فيشر من ( وكالة أنتر بريس سيرفس) ذكر فيه بأن شركا الخدمات الأمنية الأمريكية العاملة في العراق ومنها سيئة الصيت (بلاك ووتر) التي غيرت أسمها حاليا الى( XE) بعد أنتشار فضائحها متهمة " بإتهامات جديدة تتمثل بممارسة القتل، ودعارة الأطفال، وتهريب الأسلحة، وتدمير شرائط مصورة تحتوي علي أدلة".
تحذيرات لحكومة الإحتلال صدرت من قبل منظمات إنسانية ومنظمات مجتمع مدني عديدة ووسائل إعلام وشخصيات عديدة بما فيهم أعضاء في مجلس الشيوخ الامريكي، لكنها لم تتمكن من إختراق جدار نخوتها المدرع ضد الفضيلة والقيم الإنسانية, أشارت معظمها إلى تفشي ظاهرة المتاجرة بالأطفال لأغراض جنسية وتجارة الأعضاء والأغتصاب في السجون, فقد حذر السيناتور الجمهوري (لينزي غراهام) خلال جلسة إستماع الكونغرس بشأن عمليات التعذيب التي ترتكبها قواتهم الغازية والشرطة العراقية في السجون من" وجود إنتهاكات تتعلق بالإغتصاب". كما كشفت صحيفة الغارديان عن توسع التجارة بأطفال العراق وتهريبهم الى الخارج لأغراض جنسية, وأفصح مراسلها في بغداد عن بيع ما لايقل عن(150) طفلا سنويا بأسعار تنافسية تتراوح ما بين 286-5720 دولار حسب العمر والجمال, ورغم هامشية هذه الأرقام لكن الصحيفة إعترفت بأنه من الصعب الحصول على الأرقام الحقيقية، لكن التجارة بالأطفال بدأت بالإرتفاع منذ عام 2005 بمقدار الثلث! والمصب الأخير للأطفال هو الأردن وسوريا ودول الخليج العربي إضافة الى تركيا والدول الأوربية. كما تحدثت صحيفة الاندبندنت في مايو 2004 عن وجود " صور جديدة تظهر إعتداءات جنسية وإغتصاب لأطفال عراقيين" بل إنها نشرت رسم كاريكاتوري- يفترض أن ينكس إلاعلام العراقي ونقابة الصحفيين رأسهم خجلا منه- يمثل نصب الحرية عاريا وجاثما على ركبيته تشبها بوضعية سجين عراقي نشرت صورته وهو يعذب بهذه الطريقة في سجن أبو غريب". وكشف تقرير دولي أصدرته (الشبكة الموحدة للإعلام الإقليمي) والتي تنسق نشاطاتها مع الأمم المتحدة عن معاناة اطفال العراق من الاستغلال الجنسي بعد تردي أحوال المعيشة. وجاء في تقرير لها بهذا الصدد حكاية عن قيام إمرأة عراقية ببيع طفليها بأعمار 13 و14 سنة إلى عصابة تتاجر بالأطفال, وغالبا ما يستخدمون للمتاجرة بأعضائهم أو لأغراض الجنس.
بعد ان نقلت منظمة العفو الدولية عن السجين العراقي علي صفار الباوي وصفه لعملية اغتصاب قذرة لطفل عراقي أعتقل معه من قبل الحرس الوطني وحديثه عن اغتصابات أخرى جرت على أيدي قوات الاحتلال، وجهت المنظمة إنتقادات خجولة جدا على غيرعادتها للقوات الأمريكية والشرطة العراقية رغم إعترافها بوجود ما لايقل عن(500) طفل معتقل مدعية بأنهم" مقاتلون أعداء ويمثلون هديدا للأمن"! ومن المعروف ان المنظمة الدولية كان لسانها طويل جدا وغالبا ما يخرج عن فمها أبان النظام الوطني السابق لكنها قصرته جدا منذ الغزو الامريكي لأسباب معروفة! مع هذا لنتصور سخافة الإدعاء بأن أطفال بعضهم بعمر 8 سنوات يشكلون تهديدا للأمن الوطني؟ فأي أمن إذن يتحدث عنه المالكي طالما إن الأطفال بأمكانهم تهديده وزعزعته؟ وهذا يتطابق مع ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست عن مسئول في البنتاغون قوله " كل عراقي يعتبر عنصرمقاومة حتى يثبت العكس" *4 طبعا بإسثناء العملاء والخونة المارقين.
وفي تقرير آخر أصدرته الشبكة الموحدة للإعلام الإقليمي حول الشئون الإنسانية أشارت فيه بأن اطفال العراق" يعانون من الإستغلال الجنسي، وإن مئات العائلات العراقية وجدت في تجارة جنس الشذوذ لدى الاطفال مورد معيشة لها في ظل إنسداد الآفاق وتردي الوضع الأمني بالعراق". كما صرح( جونثان ستيل) مراسل صحيفة الغارديان البريطانية بأن سجن الاحداث في الكرخ مكتظ بدرجة كبيرة فسعته الحقيقية لا تتجاوز 250 سجينا أما الاحداث المحتجزون فيه فعددهم 315 حدثا. وينامون في جو حار بدون تهوية او مراوح ولا يسمح لهم بالذهاب للاستحمام ويتعرضون لانتهاكات جنسية بشكل منتظم من قبل الحراس. لذلك حذرت منظمة( مراقب حقوزق الإنسان) قوات الإحتلال بأن عليهم "مراعاة معاملة الأطفال الخاضعين للإحتجاز على النحو المتفق مع وضعهم كأطفال، وإحالتهم للمراجعة القضائية الفورية وتمكين المراقبين المستقلين من مقابلتهم". وفي تقرير صدر عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، جاء فيه بأن " الأطفال رهن الإحتجاز العراقي يتعرضون لخطر الإساءات الجسدية". وكان الصحفيان السويديان(توربيورن اندرسون وتيريز كريستينسون) قد أثارا ضجة كبيرة بعد زيارتهما للعراق وإطلاعهما ميدانيا على مكان تجارة الأطفال وسط بغداد وتمكنا من تصوير أشرطة فديو بشأن صفقات بيع أطفال العراق, فقد بيعت الطفلة العراقية زهراء البالغة من العمر (4) سنوات بمبلغ(500) دولار! فيا لرخص أطفال العراق! وقد أثار التقريرالمصور زوبعة من الأستنكار وترجم الى(12) لغة خلال يوم واحد, وأدى إلى ضجة أثارت نخوة العالم فقد قررت السويد فتح باب اللجوء أمام أطفال العراق. لكن التقرير فشل في إثارة نخوة الحكومة العراقية العتيدة والبرلمان والمرجعيات الشيعية والسنية الرشيدة التي بلعت المصيبة بدون كأس حياء, وأولى بالشعب العراقي بأن يرفع نعش تلك الضمائر الميته ويواريها أقذر مستنقع آسن.
فيما يتعلق بالمصادر العراقية، سبق أن نوهت المحامية الفاضلة سحر الياسري بوجود (6500) طفل معتقل في السجون العراقية" دون معرفة سبب إعتقالهم؟ وإن 95% منهم تم إغتصابهم، فيما هدد المتبقي منهم بالإغتصاب"! كما تشير السيدة سميرة الموسوي رئيسة لجنة المرأة والطفل في البرلمان بأنه "على رغم إمكانات اللجنة المحدودة الا أننا تمكنا من تسليط الضوء على مشاكل الاطفال في العراق, ان اللجنة قامت بزيارة السجون والمعتقلات في وزارات الدفاع والداخلية والعدل من اجل الوقوف على أعداد الاطفال المعتقلين اذ اكتشفت ان هناك ما يقارب 1300 طفل معتقل في هذه السجون" بالطبع وزارة الداخلية لم تزود النائبة بعدد الأطفال المعتقلين في سجونها العلنية - وليست السرية - مما يرجح كفة السيدة سحر الموسوي على السيدة سميرة الموسوي. وذكر السيد عماد هادي مدير( منظمة أصوات من أجل الطفولة) بأنه " لا احد يدري بأن هناك 11000 طفل مدمن على المخدرات في بغداد فقط ولا يصدق أحد بأن اطفال العراق باتوا فريسة للاغتصاب اذ تعرض عشرات من الفتيات في سن (12 سنة) الى التحرش الجنسي، لا بل ان هناك أماكن تستخدم لممارسة الجنس مع الاطفال في بغداد والمحافظات الأخرى عملت مجموعة من المنظمة على رصدها".
أشرنا الى المصادر الأجنبية والعراقية، ولنولي شطرنا هذه المرة للأطفال أنفسهم ليحدثونا عن مأساتهم التي يقشر عند سماعها جسد أي انسان له ذرة واحدة من الأيمان بالله أو الشرف والغيرة والكرامة. نبدأ بالطفل(س) ففي لقاء نشرته صحيفة القدس العربي ذكر بأن حماة الوطن من عناصر الداخلية- الساهرون على تدمير الشعب وهدر كرامته وإنتهاك عرضه-" اغتصبوني ثلاث مرات وكانوا يستمتعون بأطفاء أعقاب السجائر في جسدي وهم في حالة قصوى من الثمالة" والطفل يعاني من آلام في الظهر والبطن ناهيك عن حالته النفسية المتردية. ومن الغريب أن كنية النقيب الذي أغتصبه( على كونية- كونية تعني الكيس الكبير من النسيج الذي يوضع فيه الرزوالطحين والسكر) وآخر(أيمن ساطورة - ساطورة هي مؤنث ساطور!)! حى كناهم أقذر منهم. طفل آخر عمره(14) عاما يصف السجن الذي كان فيه" كان مرتعا للفاسدين وعمليات القتل والتصفية من قبل أناس غرباء، حيث شاهدنا وسمعنا صراخا لرجال ونساء يتوسلون بعدم القتل والاغتصاب في ليالي عدة". وطفل آخر يبلغ من العمر(12) عاما شرح بالتفصيل لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أو الهامشي عملية إغتصابه في شريط تلفازي وكانت التهمة الجاهزة للطفل نقل إسلحة! تصوروا طفل صغير ينقل ليس قطعة سلاح واحدة وأنما أسلحة! ومن الغرائب أنه بعد لك المقابلة إنتقم منه الضباط بالإغتصاب(3) مرات أضافية بسبب جرأته وصراحته في تحدي كبير وإصرار على الشر والرذالة، ليكون هذا المسكين عبرة لكل من يجرؤ على فضح مسلك عناصر الشرطة الشائن حتى ولو تحدث بذلك مع نائب رئيس الجمهورية. وبعد هذه الفضيحة أوعز المالكي بإلتفاته أبوية في غاية الرحمة والحنان بمنع طارق الهاشمي و بقية ثوار المنطقة الخضراء*5 من زيارة السجون تيمنا بمقولة الخطيب تاسيتوس" عندما تكتشف الجريمة فلا ملجأ لها سوى الوقاحة" فذعن الخادم المطيع ملتزما بألامر الرقيع! طفل آخر أسمه(ف) وقع بأيدي ميليشيات تربط بالداخلية يصف مأساته "بقيت عشرة أيام ذقت فيها مرارة الدنيا, لقد عذبوني كثيراً وأحرقوا جسدي بالسكائر, وأجبروني على شرب العرق (الخمر) والرقص لهم بعد أن ألبسوني ثياب تخص الفتيات ثم تحرشوا بي واعتدوا علي! لم أعد أعرف ( الليل من الصبح ) كنت منهكا جداً وخاصة بعد أن .... كنت أطلب من الله أن يموتني لأرتاح".
وفي تقرير للصحفي( دونوفان وبستر) نشرته مجلة فانيتي فير الامريكية أجرى خلالها مقابلات مع عدد من السجناء أشار فيه إلى طفل يبلغ من العمر 15 سنة رمز له بالحرف(ن) وقد " أجبر على ان يقبع في صندوق خشبي وعصبت عيناه لمدة 11 يوما وانه اقتيد إلى الحمام رغما عنه وتعرض هناك للإغتصاب". وهذا طفل آخر يرمز له بالحرف(ف) -أول حرف لأسم والده - الذي قتلته الميليشيات وأحرقت بيتهم وأغتصبت إبنه الطفل وعمره أقل من (12) سنة لأسباب طائفية، فغادرت العائلة البائسة لدمشق وهي تجر العار الذي لحق بها في وطن لم يحفظ ممتلكاتها ولا أمنها ولا شرفها. وقصة عروس الشهادة عبير قاسم حمزة غنية عن التعريف. هذا الملاك الذي هيظ المحتل الآثم جناحها في ربيع عمرها الذي لم يتجاوز الخامسة عشر وقتلت واحرقت جثث عائلتها من قبل رسل الديمقراطية الأمريكية, والغريب أن تصفها المصادر الأمريكية بأمرأة شابة وليست طفلة قائلة" ثم أقدم غرين وجندي آخر على اغتصاب امرأة شابة كانت في المنزل، ثم قتلها ستيفن غرين بطلقتين أو ثلاث من رشاشه". وفي سجن شمال بغداد إعترف طفل عمره(14) سنة بإغتصابه من قبل ضابطين من الشرطة ووصف السجن بأنه كان " مرتعا للفاسدين, حيث شاهدنا وسمعنا صراخ رجال ونساء يتوسلون بأن لا يقتلوا أو يغتصبوا". وعندما نشر الخبر علق عليه أحد اكبادنا البريئة أصغر منه عمرا" اغتصبوني ثلاث مرات ولم استحم منذ اربعة شهور".
لايظن البعض إطلاقا بأن الإنتهاكات الجسيمة التي إرتكبتها قوات الغزو الأمريكية تمثل حالات أو تصرفات فردية ولا يجوز إعتبارها تجسيد لسياسة الولايات المتحدة القذرة تجاه العراقيين, لأن تلك أيضا جريمة كبرى بحق العراقيين لا يجوز تسويغها بهذه الطريقة، هاكم الحقيقة من أفواه مسئوليهم، فقد ذكر السيناتور( كارل ليفين) بأن صور أبو غريب" تمثل جزءا من سياسة تتبعها الولايات المتحدة في العراق", وأعترف العديد من الضباط الأمريكان خلال محاكمات تتعلق بإنتهاكات أرتكبوها ضد العراقيين بأنهم كانوا يتلقون توجيهات مشددة من قياداتهم العليا بشأن التعامل مع العراقيين بقسوة. بل إن بعض المحللين السياسيين أعترفوا بأن" الإنتهاكات الجنسية تعتبر من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وسيلة فعالة جدا في الوطن العربي".
ومع هذا يحتفل العالم بلا خجل والأمم المتحدة بلا ضمير بعيد الطفل العالمي ويتبرجون بمساحيق إتفاقية حقوق الطفل لأخفاء تجاعيدهم الكريهة, لقد فقد الطفل العراقي كل الحقوق الواردة في الإتفاقية إعتبارا من الحق في الحياة والتعليم والصحة والحماية من الأستغلال الجنسي والمتاجرة بأعضائه, أما الحقوق السياسية والأجتماعية والأقتصادية الواردة في الإتفاقية فهي من السخف والتفاهة بما لا تستحق التوقف عندها او التعليق عليها، هذا إذا سلمنا فعلا بوجودها وهذا من أبسط البدهيات. لقد صدق (Geoffry Keene) الناطق بأسم اليونسيف عندما صرح بأن " أطفال العراق هم من أكثر الناس في العالم تعرضا للخطر". مضيفا لتقرير ممثل المنظمة في العراق (روجر راي) بأنه يصعب في العراق حماية الأطفال وتأمين حقوقهم فهم غالبا ما يكونوا " غير مرئيين في النقاشات والتشريعات العامة في البلاد وحتى في الإحصاءات والتقارير الإخبارية" وكلاهما يتفق مع نبؤة المحلل السياسي(برونون مادوكس) قبل عدة أعوام بأن" أطفال العراق هم من يسدد فاتورة الحرب التي يقوم بها الأمريكان"*6.
لقد أينع حقل الديمقراطية الأمريكية في العراق أشواكا سامة فتكت بكل العراقيين شيوخا وأطفالا ورجالا ونساءا، لم ينجو منها إلا الطفيليات التي تعيش في المنطقة الخضراء.
هذه هي حقيقة الديمقراطية الأمريكية، بعد أن نزع العراق عن وجهها القناع الذي يخفي البشاعة والإجرام.. إنها ديمقراطية الموت والتخريب والسلب والنهب والفقر والمرض والإغتصاب والفساد بكل أنواعه.. جنب الله شعوب العالم منها, فقد كنا القربان الذي ذبح بسكينها الحادة تحت محراب الشعارات الديمقراطية الفارغة.
ولنا حديث آخر عن هذا الموضوع المؤلم بعون الله..
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
الهوامش
*1 - سورة الكهف/ الآية 46
*2- زهر الآداب لأبي إسحاق القيرواني، تحقيق د. زكي مبارك، 1/63.
*3- سمى دافيد برات المعارضين العراقيين في الخارج بـ" الاوغاد الذين يريد بوش ان يحلهم محل صدام حسين" الصنداي هيرالد/ اسكتلندا في 22ايلول 2002
*4 - عراق المسقبل- جيف سيمونز- ترجمة سعيد العظم
*5- مصطلح وقح تفوح منه رائحة الخيانة، دخل عالم السياسة مع الغزو الامريكي، أطلقه المصاب بعصاب العمالة وفيق السامرائي واصفا نفسه وزمرة الشر على أساس أنهم من قام بثورة ضد النظام السابق. ولا نعرف عن أية ثورة يتحدث الأقزام؟ هل كانت ثورة أم إحتلال؟ ومن قام بها ثوار المنطقة الخضراء أم إدارة الأحتلال؟
*6- صحيفة( The Times) بعددها الصادر بأريخ 9 نيسان 3200
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق