الشرق الاوسط وشمال أفريقيا
وقد أسهم الصراع المتواصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلى جانب وجود القوات الأمريكية في العراق، وبواعث القلق بشأن المقاصد النووية لإيران، والانقسام الواضح بين الإسلاميين والعلمانيين، والتوتر الناشئ بين التقاليد الثقافية والطموحات الشعبية النامية، في خلق مناخ انعدام الأمن السياسي في شتى أرجاء المنطقة। ويُضاف إلى هذا ما جاء به عام 2008 من ازدياد الإحساس بانعدام الأمن اقتصادياً واجتماعياً عندما أحكمت الأزمة المالية العالمية قبضتها وبدأ تضرر الفقراء أو من يعيشون على شفا الفقر من ارتفاع أسعار الأغذية। وتجلى ذلك في تفجر حالات الإضراب وغيره من صور الاحتجاج من جانب العمال في القطاعين الخاص والعام، على نحو ما حدث في مصر، وعلى نحو ما شهدته تونس من القلاقل التي استمرت شهوراً في منطقة قفصة الغنية بالفوسفات। وفي هذين البلدين وفي غيرهما يعيش كثير من الناس في فقر مدقع، إذ يعيشون على الهامش سواء كانوا من فقراء الريف أو من المقيمين في الأحياء الفقيرة التي تعاني من التكدس الشديد داخل المدن، وكلهم ضحايا في واقع الأمر لمظاهر التفاوت الجسيمة في التمتع بالحقوق الأساسية، مثل إتاحة ما يليق بهم من سُكْنَى ومأوى، ورعاية صحية وتعليم، وفرص العمل وتأمين مستقبل حياة أفضل تعمرها حقوق الإنسان لأنفسهم وأسرهم
وفي العراق، استمرت الحرب التي تضاءلت أنباؤها حالياً، وواصلت تكدير حياة الملايين، على الرغم من انخفاض عدد الهجمات على المدنيين، وهو انخفاض محمود. إلا إن حالة الصراع شبه المستمرة في البلد حالت دون سعي الكثيرين لكسب الرزق، وتوفير مستقبل مأمون لأسرهم. وكان عدد يربو على مليونين لا يزالون من النازحين داخليا في العراق، إلى جانب مليونين آخرين من اللاجئين خارج العراق، ومعظمهم في سوريا والأردن. وتواصل النزعات الطائفية الدينية والعرقية المتسمة بالعنف إحداث الفُرقة في المجتمعات المحلية والإضرار بالحياة اليومية. وقد شنت الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة هجمات انتحارية وغيرها من الهجمات بالقنابل، وكثيراً ما كانت تستهدف أماكن معينة مثل الأسواق المزدحمة. وفي غضون ذلك لا تزال القوات الأمريكية تعتقل آلاف العراقيين دون تهمة أو محاكمة، وقد مضى على بعضهم ما يزيد على خمس سنوات. كما اعتقلت قوات الحكومة العراقية آلافاً أخرى، وتعرض كثيرون منهم للتعذيب، وصدرت على البعض أحكام الإعدام عقاباً على ما زُعم أنها جرائم إرهاب، وكثيراً ما كان ذلك في أعقاب محاكمات تتسم بالجور الشديد، حتى في حالات بعض من نُفذت فيهم أحكام الإعدام. وكان من المقرر تسليم جميع المعتقلين لدى القوات الأمريكية إلى الحكومة العراقية في نهاية عام 2008 ، بموجب اتفاق مشترك بين الولايات المتحدة والعراق. وهو اتفاق لا يتضمن أية ضمانات لحقوق الإنسان.
واستخدمت السلطات عقوبة الإعدام على نطاق واسع في إيران والعراق والمملكة العربية السعودية واليمن، وإن بدت بوادر ازدياد النفور من هذه العقوبة بين دول عربية أخرى، وهو أمر يستحق الترحيب. وتجلت هذه البوادر في أوضح صورها في ديسمبر/كانون الأول، عندما قررت ثماني دول عربية عدم التصويت ضد قرار مهم أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وتدعو فيه لوقف تنفيذ أحكام الإعدام مؤقتاً في شتى أنحاء العالم، وهو ما ساعد على اعتماد القرار بأغلبية كبيرة. وتتزايد مخالفة السلطات في إيران وفي المملكة العربية السعودية لآراء المجتمع الدولي العريض، وهو الأمر الذي تبدى في مواصلة السلطات الإيرانية مع أقلية ضئيلة من الدول إعدام المجرمين الذين لم يبلغوا سن الرشد، وفي النظام القضائي السعودي الذي أدى فيه التمييز إلى إعدام عدد غير متناسب من المواطنين الأجانب الفقراء.
العنف ضد النساء والفتيات
وكانت المرأة تواجه درجة أكبر من انعدام الأمن بسبب التمييز ضدها في نصوص القانون وفي الواقع العملي، إلى جانب ما تتعرض له من عنف من جانب أقاربها الذكور في حالات كثيرة. وتبدت أشد حالات هذا العنف حدة فيما يُسمى «جرائم الشرف »، والتي قُتلت في إطارها نساء في الأردن والسلطة الفلسطينية وسوريا والعراق. وكانت الأجنبيات العاملات في المنازل يتعرضن بصفة خاصة للإيذاء الجنسي وغيره من صور الإيذاء على أيدي مستخدميهن، إذ كثيراً ما كُنَّ يفتقرن إلى الحماية وفقاً لقوانين العمل. وشهدت الأردن ولبنان حالات تُوفيت فيها بعض العاملات بالمنازل في ظروف مريبة، وسط ما تردد من تكهنات بأن بعضهن قد قتل، أو سقط فمات أثناء محاولة الفرار من أماكن العمل، أو لجأ إلى الانتحار في غمرة اليأس. وكانت كثرة وقوع حالات موت النساء حرقاً في إقليم كردستان شمالي العراق، إما انتحاراً أو على أيدي غيرهن، توحي بهذا الواقع نفسه.
"أعتقد أن أحكام الجلد تبعث على الإحساس بالعار وتمثل وصمة مشينة لكل الإيرانيين الذين يؤمنون بالعدالة والمساواة. وفضلاً عن ذلك، فإن هذه الأحكام هي أحد مظاهر العنف الذي يُمارس ضد المرأة في مجتمعنا." - سوزان طهماسبي، من نشطاء «حملة المساواة بين الجنسين» في إيران، في معرض التعليق على العقوبات التي فُرضت على بعض المدافعات عن حقوق المرأة.
وشهدت دول أخرى تطورات إيجابية يتجلى فيها ازدياد تقدير الحكومات للمرأة، إدراكاً منها بأنه لا ينبغي استمرار قصر مكانة المرأة على صورة ما من صور الطبقة الثانية. إذ حظرت السلطات المصرية عادة ختان الإناث )تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية(، كما أدخلت السلطات في عُمان وفي قطر تعديلات في القانون لمساواة المرأة بالرجل في شتى شؤون الإسكان والتعويض، وانضمت تونس إلى معاهدة دولية أساسية حول حقوق المرأة، وأنشأت «خطاً للطوارئ » للنساء اللاتي يواجهن العنف في محيط الأسرة.
طالبو اللجوء واللاجئون والمهاجرون غير القانونيين
تجلت حالة انعدام الأمن في أشد صورها بين طوائف اللاجئين وطالبي اللجوء الذين ظلوا محرومين من المكانة الرسمية أو الموطن الدائم، وكان الكثير منهم قد قضى في ظل الفقر عقوداً طويلة ينتظر ذلك.
فقد كان آلاف العراقيين يعيشون عيش الكفاف في الأردن وسوريا ولبنان، وغيرها من البلدان، ويعانون فقراً متزايداً وقنوطاً متفاقماً، ويواجهون خطر الترحيل إن هم التحقوا بأي عمل مقابل أجر. وفي العراق، طلبت الحكومة رحيل ثلاثة آلاف مهاجر إيراني طال مقامهم في مخيم الأشرف، رغم من أنه يبدو من المستبعد أن يفتح أي بلد ذراعيه لهم، ورغم أنهم يتعرضون لخطر داهم لو أُعيدوا قسراً إلى إيران. وكان نحو 80 لاجئاً عراقياً، ممن فروا من وطنهم في عام 1991 إبان حرب الخليج الأولى، قد قضواً عاماً آخر في محبسهم داخل مخيم تحيط به الأسوار ويخضع للحراسة، وهو مخيم أنشأته السلطات السعودية التي لا تزال ترفض منحهم حق اللجوء إليها. وفي لبنان، كان ما يقرب من نصف عدد اللاجئين الفلسطينيين الذي يقدر بمئات الآلاف لا يزالون يعيشون في المخيمات المزدحمة التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، بعد انقضاء ستين عاماً على وصولهم أو وصول أسلافهم إليها أول مرة. وقد شرعت الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفيق أوضاع أشدهم تعرضاً للخطر، أي الذين يقيمون دون أوراق رسمية ويعجزون من ثم عن الزواج بصورة قانونية وعن تسجيل مواليدهم، ولكن بعض العقبات القانونية وغيرها ما زالت قائمة، وهي تحول دون تمتع الفلسطينيين بحقوقهم في الصحة والعمل والمأوى الملائم.
وكانت السلطات في بلدان شتى تنتهك القانون الدولي بإرغام اللاجئين وغيرهم على العودة إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر التعذيب أو الإعدام. فقد أعادت السلطات اليمنية مئات من طالبي اللجوء من حيث جاءوا، وأعادت ما لا يقل عن ثمانية أشخاص إلى المملكة العربية السعودية، على الرغم مما تردد من مخاوف على سلامتهم. وفي يناير/كانون الثاني، أعلنت الحكومة الليبية أنها تعتزم ترحيل جميع «المهاجرين بصورة غير قانونية »، وفي وقت لاحق رحلت بشكل جماعي أعداداً كبيرة من مواطني غانا ونيجيريا وبلدان أخرى. وفي يونيو/حزيران، أفادت الأنباء أن الحكومة كانت قد حاولت ترحيل أكثر من 200 شخص من إريتريا، إذ أوهمتهم أنهم سوف يُرسلون إلى إيطاليا جوّاً، وإن كان المقصد الحقيقي هو إعادتهم لبلدهم، بعد أن فر كثيرون منهم هرباً من التجنيد العسكري هناك.
وارتكبت السلطات المصرية انتهاكات أخرى. فإلى جانب عمليات الترحيل الجماعي، أي إعادة ما لا يقل عن 1200 من طالبي اللجوء بصورة فورية إلى إريتريا، أطلق حرس الحدود النار فقتلوا ما لا يقل عن 28 شخصاً أثناء محاولتهم العبور من مصر إلى إسرائيل طلباً للحماية هناك. كما اعتُقل مئات آخرون وأودعوا السجون بعد محاكمتهم أمام محاكم عسكرية. ولم تكن السلطات الإسرائيلية أقل تشدداً، إذ قامت بترحيل عشرات من طالبي اللجوء والمهاجرين فأعادتهم إلى مصر بعد نجاحهم في عبور الحدود، على الرغم من تردد مخاوف بأن بعضهم سوف يُعادون إلى السودان أو إريتريا أو بلدان أخرى قد يواجهون فيها التعذيب أو الإعدام.
"أرجوكم لا تتركونا فريسةً بين أنياب الظلم والقوة الغاشمة. أنا أخاف على نفسي، وعلى أطفالي، وأخاف بشكل خاص على زوجي، الذي يقبع في المعتقل." - من رسالة بعثت بها سيدة في السعودية إلى منظمة العفو الدولية، أغسطس/ آب 2008.
وفي المغرب والصحراء الغربية، اعتقلت السلطات وأبعدت آلافاً من المشتبه في أنهم مهاجرون بصورة غير قانونية، وورد أن بعضهم تعرض للقوة المفرطة أو سواها من ضروب سوء المعاملة، وأن البعض الآخر قد أُلقي به دون ما يكفي من الغذاء والماء في مناطق وعرة موحشة قريبة من الحدود الجنوبية للبلد. وأحكمت الحكومة الجزائرية رقابتها على المهاجرين، فجهزت لنفسها سلطات قانونية جديدة تسمح بالطرد الفوري للأجانب الذين ترى أنهم دخلوا البلد بصورة غير قانونية.
الإقصاء والتمييز والحرمان
تعرضت جماعات معينة في بلدان كثيرة للحرمان من التمتع بحقوقها الإنسانية على قدم المساواة مع باقي السكان، وكانت بعض هذه الجماعات تضم الأجانب واللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين بصورة قانونية أو غير قانونية، وهو ما أدى إلى تفاقم إحساسهم بانعدام الأمن، حسبما يتضح من الأمثلة السالفة الذكر. وكانت جماعات أخرى تضم أفراد الأقليات العرقية أو الدينية أو غيرها، وهم الذين اعتبروا موصومين بسبب عقائدهم أو هويتهم.
ففي الخليج، ظلت الحكومة القطرية ترفض منح الجنسية لأفراد قبيلة آل مرة، إذ كان بعضهم ضالعاً في محاولة انقلاب فاشلة عام 1996 ، وأصبح محظوراً عليهم بسبب ذلك التمتع بحقوق الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتوظف. وفي عُمان، استمر تهميش أفراد قبيلتين هما آل توية وآل خليفين، وعرقلت الحكومة حصولهم على وثائق هوية رسمية، وتسوية الشؤون العائلية مثل الطلاق أو الميراث، وتسجيل أنشطتهم التجارية، بناء على قرار أصدرته الحكومة عام 2006 ، ويقضي بتخفيض منزلتهم إلى منزلة الخدم.
ناشطات يتظاهرن في الرباط، المغرب عشية اليوم العالمي للمرأة 7 مارس 2008.
www.resistingwomen.net/Ali Fkirوفي إيران، واصلت الحكومة حظر استعمال لغات الأقليات في المدارس، والانقضاض على نشطاء الأقليات، مثل عرب الأهواز، والإيرانيين الآذاريين، والأكراد، والتركمانيين، والبلوشيين، الذين يناضلون في سبيل مزيد من الإقرار بحقوقهم، كما واصلت الحظر التعسفي المفروض على الأقليات المشتبه بها فيما يتعلق بالوظائف الحكومية. وفي سوريا، تعرضت الأقلية الكردية، التي تشكل نسبة قد تصل إلى 10 بالمئة من عدد السكان، لاستمرار القمع، إذ كان عشرات الآلاف من الأكراد السوريين محرومين في الواقع من التمتع بجنسية أية دولة، ومن ثم ظلوا محرومين من التمتع على قدم المساواة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
ولم تكن العقائد الدينية الشخصية المخالفة للدولة تلقى التسامح والقبول في بلدان كثيرة، وكان ممارسو شعائرها يُحرمون من المشاركة الكاملة في المجتمع، أو يعاقبون عقوبة جسدية. ففي الجزائر، كان الذين تحولوا من الإسلام إلى اعتناق المسيحية الإنجيلية يتعرضون للاضطهاد، على الرغم من أن الدستور يكفل حرية الضمير. وفي مصر، ورد أن من يتحولون من الإسلام إلى المسيحية والبهائيين لا يزالون يواجهون صعوبات عملية في الحصول على بطاقات رسمية تقر عقيدتهم، على الرغم من الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإدارية. وفي إيران، واصلت السلطات مضايقة البهائيين وأفراد الأقليات الدينية الأخرى واضطهادهم، إذ اعتقلت بعض رجال الدين السُنَّة، وحكمت على أحد زعماء الطرق الصوفية بالسجن خمس سنوات والجلد بتهمة «نشر الأكاذيب.
وفي دول الخليج، كان العمال الوافدون من شبه القارة الهندية وغيرها من المناطق الآسيوية يمثلون عماد اقتصادها القائم على الثروة النفطية، إذ يقدمون الأيدي العاملة والمهارات اللازمة لأنشطة البناء والصناعات الخدمية. ولكن مثل هؤلاء العاملين بعقود كانوا في أحيان كثيرة يُلزَمون بالإقامة والعمل في ظروف بالغة السوء، محرومين من أية حماية حكومية من الاستغلال والإيذاء. فإذا أبدوا الاحتجاج على هذه الظروف، على نحو ما حدث في الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة، كان رد السلطات اعتقالهم وترحيلهم.
وظلت الميول المثلية الجنسية من الموضوعات المحظورة في بلدان المنطقة، وكان الأشخاص الذين يُشتبه في أنهم مثليين يُستهدفون في بلدان كثيرة. ففي مصر، تعرض بعض المشتبه في ضلوعهم في علاقات جنسية مثلية بالتراضي للاعتداء أثناء احتجازهم، كما أُجبروا على الخضوع لفحوص الشرج اختبارات حمل الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة )الإيدز(، وذلك على غير رغبتهم. كما كُبل بعضهم بالسلاسل في الفراش في المستشفي قبل إصدار الأحكام بحبسهم بتهمة الفجور. وفي المغرب، حكم بالسجن على ستة رجال بتهمة «ممارسة علاقات جنسية مثلية » بعد أن وُجهت إليهم علناً تهمة حضور «حفل زواج بين رجلين » في عام 2007.
وفي سبتمبر/أيلول، أدى انهيار كتلة صخرية إلى قتل ما يربو على 100 من سكان منطقة عشوائية في القاهرة، وهو ما سلط الأضواء على هشاشة الحياة التي يعيشها فقراء المدن المحرومون في شتى أرجاء المنطقة. وكان يمكن التنبؤ، فيما يبدو، بوقوع هذه المأساة، إذ كانت المياه التي تتسرب من جانب هضبة قريبة تنذر باحتمال حدوث كارثة، ولكن السلطات لم تتخذ أية إجراءات حتى فات الوقت. وعلى امتداد المنطقة كلها كانت تعيش جماعات أخرى من فقراء المدن والريف الذين حُكم عليهم فيما يبدو بمكابدة دورة الحرمان، من المسكن الملائم أو الرعاية الصحية أو العمل، وسلب القدرة على فعل أي شيء، إذ لا يشاركون مشاركة تذكر، أو لا يشاركون على الإطلاق، في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم. وهم قطعاً لا رأي لهم في وسائل حماية أنفسهم من التردي في فقر أشد.
وفي الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، كان الفلسطينيون الذين يعانون الفقر يتعرضون للتشريد باعتباره سياسة متعمدة، إذ قامت القوات الإسرائيلية بهدم كثير من المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، استناداً إلى أنها بُنيت دون تصريح بالبناء، في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل بصفة عامة إصدار هذه التصاريح للفلسطينيين، وتُجْلى الكثير من منازلهم. وفي وادي الأردن، أتت القوات الإسرائيلية بجرافات لهدم مساكن القرويين وحظائر مواشيهم فحرمتهم من مصادر رزقهم، وفي أماكن أخرى قطعت سبل وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم الزراعية بسبب إنشاء السور/الجدار. وكان الفلسطينيون يُمْنعون لدى نقاط التفتيش الكثيرة والمتاريس التي أقامها الجيش الإسرائيلي من الانتقال للعمل أو الدراسة أو حتى للعلاج في المستشفيات. أما في قطاع غزة، فقد أدى العدوان الإسرائيلي الذي بدأ يوم 27 ديسمبر/كانون الأول واستمر ثلاثة أسابيع إلى تدمير ما يزيد على 20 ألف منزل فلسطيني أو إلحاق أضرار بالغة بها، فضلاً عن تخريب مدارس وأماكن عمل وقتل مئات المدنيين الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، استمر توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وتنميتها، وهو ما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي.
تكميم الأفواه
على امتداد المنطقة كلها كان الذين يجاهرون بالدفاع عن حقوقهم أو حقوق الآخرين يخاطرون بالتعرض للاضطهاد من جانب الشرطة السرية التي تتمتع بسلطات هائلة، والتي كان سادتها السياسيون كثيراً ما يسمحون لها بانتهاك القانون والبقاء بمنجاة من العقاب. ولم تكن الحكومات بصفة عامة تسمح بالمعارضة، وكانت فيما يبدو تخشى الانتقاد والتحدي والفضح العلني للفساد وغيره من الأفعال المشينة.
وكانت سلطات الدولة في شتى أرجاء المنطقة تستند إلى ضرورة توفير «الأمن » من «الإرهاب » كوسيلة لبذر بذور الخوف وانعدام الأمن والقمع. وشنت جماعات مسلحة اعتداءات تتسم بالعنف في عدة بلدان، من بينها سوريا والجزائر والعراق ولبنان واليمن، ولكن الحكومات كانت تستخدم من قوانين مكافحة الإرهاب ما يتسم عمداً بالغموض والتعميم في حالات كثيرة من الحملات على معارضيها السياسيين وفي كتمان أي صوت يحاول أن يعلو بما هو مشروع من الانتقاد والمعارضة. وكانت غطرسة السلطة التي يتمتع بها جهاز المخابرات، وهو الاسم الذي يُطلق على أجهزة الأمن والاستخبارات، تسود المنطقة كلها. وكان أفراد هذه الشرطة السرية يرفعون بلاغاتهم مباشرة إلى رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، وكان مسموحاً لهم بسلطة إلقاء القبض والاحتجاز والتحقيق مع المشتبه فيهم، بل وباستخدام التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة في أحيان كثيرة وهم بمنأى عن العقاب. وقد تلقت منظمة العفو الدولية أنباء موثوقة عن وقوع التعذيب في عدة بلدان، من بينها الأردن وإيران والإمارات العربية المتحدة والبحرين وتونس وسوريا والعراق ولبنان ومصر والمملكة العربية السعودية واليمن. كما وردت أنباء أخرى عن تعذيب الفلسطينيين الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية، وكذلك عن احتجاز وتعذيب الفلسطينيين بمنجاة من العقاب على أيدي قوات الأمن التابعة لمنظمتي «فتح » و «حماس » المتنافستين، حيث تسيطر أولاهما على الضفة الغربية والثانية على غزة.
وكان أحد الأغراض الرئيسية للتعذيب هو الحصول على اعترافات تتيح رفع الدعاوى القضائية أمام محاكم يسهل انقيادها لسياسة الدولة، إذ كان القضاة فيها يعزفون عن التحقق من كيفية الحصول على الأدلة إما بدافع الخوف أو عدم الرغبة في ذلك وحسب. وكانت محاكمات خصوم الحكومة في عدد من البلدان تُعقد في محاكم «خاصة » لا تتفق إجراءاتها مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. ففي مصر، كان زعماء جماعة الإخوان المسلمين، وكلهم مدنيون، يُحاكمون أمام محكمة عسكرية لا تسمح بوجود مراقبين دوليين. وكان عدد آخر من المتهمين يُحاكمون أمام محكمة أُنشئت بموجب حالة الطوارئ التي طال أمدها في مصر. وفي ليبيا، اعتُقل 11 شخصاً بعد أن نظموا مسيرة احتجاج سلمية لإحياء ذكرى مقتل 10 متظاهرين على أيدي الشرطة، وأصدرت محكمة أمن الدولة أحكاماً بسجنهم مدداً وصل بعضها إلى 25 سنة، وإن كان قد أُفرج عن الجميع باستثناء اثنين قبل نهاية العام. وفي سوريا، كان ما لا يقل عن 300 شخص يواجهون المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا التي ذاع جَوْرها، أو غيرها من المحاكم التي لا توفر لهم محاكمة عادلة، كما صدر الحكم بحبس 12 من دعاة الديموقراطية بتهم مثل «إضعاف الشعور القومي ». واشتكى هؤلاء قائلين إنهم تعرضوا للضرب في فترة الاحتجاز السابقة للمحاكمة بغرض إرغامهم على توقيع «اعترافات »، ولكن المحكمة التي نظرت القضية لم تتخذ أية خطوات للتحقيق في هذه الشكوى. وفي حالات أخرى، قضت إحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة بأن بعض السجناء كانوا محتجزين احتجازاً تعسفياً بعد أن أُدينوا في محاكمات جائرة لقيامهم بما يعتبر ممارسة مشروعة لحقهم في حرية التعبير، ولكن السلطات السورية لم تتخذ أي إجراء في هذا الصدد. واعتقلت السلطات السعودية مئات الأشخاص لأسباب أمنية، ومن بينهم عدد ممن أعربوا سلمياً عن انتقادهم للحكومة، وكان الآلاف ممن اعتقلوا في الأعوام السابقة لا يزالون مسجونين في سرية شبه تامة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة أنها سوف تنشئ محكمة خاصة لمحاكمة ما يزيد على 900 شخص بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية، ولكنها لم تفصح عن التفاصيل الخاصة بالمتهمين، ولا مواعيد محاكمتهم، وما إذا كان سيُسمح لهم بتوكيل محامين، أو إن كانت المحكمة سوف تسمح بحضور مراقبين دوليين.
وفي كل مكان في المنطقة، حتى في الدول التي تتمتع بانفتاح نسبي، كان الصحفيون والمحررون يعرفون أن عليهم أن يعملوا في حدود هوامش معينة من الحرية حتى لا يعرضوا أنفسهم لخطر الإحالة للمحاكمة، أو إغلاق صحفهم، أو ما هو أسوأ. ففي مصر، صدر الحكم بحبس رئيس تحرير إحدى الصحف بسبب تعليقه على صحة رئيس الجمهورية. وفي الجزائر، رُفعت دعاوى قضائية على بعض الصحفيين بعد أن نشروا أنباء عما زُعم أنها حادثة فساد في الدوائر الرسمية، وتعرض أحد المحامين البارزين في مجال حقوق الإنسان للمضايقة بتهمة تلويث سمعة رجال القضاء. وفي ليبيا، ظل أحد المعارضين السياسيين رهن الاحتجاز منذ القبض عليه في عام 2004 بعد أن دعا إلى الإصلاح السياسي في مقابلة أُجريت معه في أحد أجهزة الإعلام. وفي المغرب، حيث لا يزال انتقاد النظام الملكي من المحظورات، تعرض بعض المدافعين عن حقوق الإنسان للاضطهاد بسبب مظاهرة احتجاج سلمية، كانت قد اعتُبرت مسيئة للملك، على الرغم من أن الملك أصدر عفواً ملكياً عنهم في وقت لاحق. كما حُكم بالسجن على طالب، يبلغ من العمر 18 عاماً، بعد أن كتب على أحد الجدران شعاراً يمتدح فيه فريق كرة القدم الذي يشجعه، ورأى المسؤولون أنه يتضمن مساساً بالنظام الملكي. وفي سوريا، حيث لا تبدي الحكومة أي تسامح تقريباً إزاء أية معارضة، كان من بين المستهدفين أصحاب المدونات في الإنترنت بتهمة «نشر أنباء كاذبة » أو «إضعاف الشعور القومي »، وذلك استناداً إلى قوانين شاملة تهدف إلى ردع حرية التعبير وقمعها. واتخذت حكومتا الكويت وعُمان بعض الخطوات لإحكام الضوابط على حرية التعبير من خلال الإنترنت، كما كانت السلطات في إيران وتونس وبعض الدول الأخرى تتدخل بصورة منتظمة لحجب مواقع الإنترنت التي تنتقدها، وقطع الاتصالات على الإنترنت بين المنظمات غير الحكومية المحلية العاملة في مجال حقوق الإنسان والعالم الخارجي.
وكان رد السلطات في تونس ومصر على احتجاجات العمال بشأن الأحوال الاقتصادية هو قمعها بالقوة المفرطة والاعتقالات الجماعية. وعلى غرار ذلك قامت قوات الأمن المغربية بفض الحصار الذي كان قد ضُرب على ميناء سيدي إفني تعبيراً عن الاحتجاج، وشنت حملة اعتقالات على الذين اشتبهت في تنظيمهم لذلك الحصار.
"عندما ازددت تعمقاً في أنشطة حقوق الإنسان، أدركت أن نطاقها أوسع كثيراً من مجرد التعذيب، وإن كانت كلها تنبع من المبدأ الأساسي، الذي أكده أيضاً «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، وهو احترام الكرامة الإنسانية." - أحمد سيف الإسلام حمد، محام مصري ومن نشطاء حقوق الإنسان، وتعرض للتعذيب وأمضى حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين بسبب معتقداته السياسية، من مقابلة مع منظمة العفو الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2008.
وكان المدافعون عن حقوق الإنسان والمنادون بمزيد من الحقوق، للنساء والأقليات وسواهم، أو زيادة الحرية السياسية أو التمتع بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، يشغلون مواقع بارزة في خطوط المواجهة، في شتى أنحاء المنطقة. ومع ذلك، فما برح المدافعون عن حقوق الإنسان في معظم البلدان يواجهون عقبات كبرى. ففي تونس وسوريا، كانت المنظمات المستقلة لحقوق الإنسان مضطرة إلى العمل وسط أجواء من التيه القانوني، إذ يقضي القانون بأن تحصل على تسجيل رسمي بينما ترفض السلطات الحكومية في الواقع الفعلي منحها هذا التسجيل. وفي إيران، أمرت الحكومة بإغلاق إحدى المنظمات البارزة لحقوق الإنسان، وكانت الأمم المتحدة قد شاركت في إنشائها مع شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام. ومن المفارقات أن يصدر ذلك الأمر الحكومي والمنظمة توشك أن تستضيف احتفالاً بذكرى مرور 60 عاماً على صدور «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.»
الخاتمة
كان من المؤلم أن يظل نمط انعدام المساءلة، عن أي من انتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها الناس بصورة يومية، قائماً في المنطقة. كما تزايد إحساس الأفراد في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بانعدام الأمن، إلى جانب استبعادهم من عمليات اتخاذ القرارات، وتجاهلهم أو تكميم أفواههم إذا حاولوا إسماع أصواتهم للآخرين، وهكذا شهدوا استمرار مصاعبهم على مدار عام 2008.
وظل الإفلات من العقاب من عُمد السياسات في عدد كبير من بلدان المنطقة. ففي المغرب/الصحراء الغربية، على سبيل المثال، بدا أن خطوات الكشف عن الحقيقة فيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري التي وقعت إبان حكم الملك الحسن الثاني قد توقفت. وفي الجزائر، واصلت السلطات تعطيل أي تحقيق في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة إبان الصراع الداخلي الذي دار في التسعينيات من القرن العشرين. وفي سوريا ولبنان وليبيا، لم تتخذ السلطات أية خطوات فعالة للتحقيق في انتهاكات الماضي الجسيمة أو معالجتها. ولم يكن من الغريب إذن أن حكومات تلك البلدان كانت من بين عدد من الحكومات التي لم تبد أي حماس للتحقيق فيما استجد من ادعاءات أو أحداث، مثل النبأ الذي يقول إن قوات الأمن السورية قتلت 17 سجيناً وأشخاصاً آخرين في سجن صيدنايا العسكري.
ولكن على الرغم من هذه المشاكل المنوعة، والتي كثيراً ما بدت مستعصية، فقد شهد العام المنصرم كثيراً من الأفراد، من الرجال والنساء بل والأطفال، الذين عملوا في شتى أرجاء المنطقة على الظفر بحقوقهم وحقوق غيرهم، وكان الكثيرون يبدون الصمود والجلد، حتى إزاء المخاطر الداهمة على حياتهم وأرزاقهم. ففي الجزائر، واصل أقرباء ضحايا الاختفاء القسري إبان «الحرب القذرة »، التي دارت رحاها هناك في التسعينيات من القرن الماضي، كفاحهم للكشف عن الحقيقة وإقامة العدل، مواجهين بذلك صلابة عناد الحكومة واستمرار مضايقتها لهم. وفي إيران، نجح عدد من النساء والرجال في جمع توقيعات مليون شخص على عريضة التماس تطالب بوضع حد للتمييز في القانون ضد المرأة، على الرغم من تكرار المضايقات والاعتقالات والاعتداءات التي يقوم بها المسؤولون الحكوميون الذين كانوا ينتهكون القانون. كما ناضل آخرون في سبيل وضع حد لإعدام المذنبين من صغار السن.
وكان المدافعون عن حقوق الإنسان في هذين البلدين وفي غيرهما في طليعة الداعين إلى التغيير، وإن بدت بوادر على أن بعض من يمسكون زمام السلطة السياسية قد أدركوا هم أيضاً ضرورة التغيير والإصلاح واتخاذ المزيد من الإجراءات لنُصرة حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، استغلت حكومة البحرين فرصة إجراء «المراجعة العالمية الدورية » في الأمم المتحدة لإعطاء إشارة الشروع في برنامج لإصلاح أحوال حقوق الإنسان، ومن شأنه، إذا نجح تنفيذه، أن يصبح مثالاً ناصعاً للبلدان المجاورة. وفي لبنان دعا، وزير العدل إلى سن قانون بإلغاء عقوبة الإعدام، وكانت الحكومة الجزائرية من بين المؤيدين الرئيسيين للدعوة إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام على مستوى العالم. وهكذا ظهرت في عام 2008 بوادر على بروز جيل جديد يتمتع بمزيد من الوعي بحقوقه، وبما لابد أن يكون متاحاً له من فرص، كما يشتد عزمه على تحقيقها. وقد تكون هذه الخطوات بطيئة ولكنها واثقة.
وفي العراق، استمرت الحرب التي تضاءلت أنباؤها حالياً، وواصلت تكدير حياة الملايين، على الرغم من انخفاض عدد الهجمات على المدنيين، وهو انخفاض محمود. إلا إن حالة الصراع شبه المستمرة في البلد حالت دون سعي الكثيرين لكسب الرزق، وتوفير مستقبل مأمون لأسرهم. وكان عدد يربو على مليونين لا يزالون من النازحين داخليا في العراق، إلى جانب مليونين آخرين من اللاجئين خارج العراق، ومعظمهم في سوريا والأردن. وتواصل النزعات الطائفية الدينية والعرقية المتسمة بالعنف إحداث الفُرقة في المجتمعات المحلية والإضرار بالحياة اليومية. وقد شنت الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة هجمات انتحارية وغيرها من الهجمات بالقنابل، وكثيراً ما كانت تستهدف أماكن معينة مثل الأسواق المزدحمة. وفي غضون ذلك لا تزال القوات الأمريكية تعتقل آلاف العراقيين دون تهمة أو محاكمة، وقد مضى على بعضهم ما يزيد على خمس سنوات. كما اعتقلت قوات الحكومة العراقية آلافاً أخرى، وتعرض كثيرون منهم للتعذيب، وصدرت على البعض أحكام الإعدام عقاباً على ما زُعم أنها جرائم إرهاب، وكثيراً ما كان ذلك في أعقاب محاكمات تتسم بالجور الشديد، حتى في حالات بعض من نُفذت فيهم أحكام الإعدام. وكان من المقرر تسليم جميع المعتقلين لدى القوات الأمريكية إلى الحكومة العراقية في نهاية عام 2008 ، بموجب اتفاق مشترك بين الولايات المتحدة والعراق. وهو اتفاق لا يتضمن أية ضمانات لحقوق الإنسان.
واستخدمت السلطات عقوبة الإعدام على نطاق واسع في إيران والعراق والمملكة العربية السعودية واليمن، وإن بدت بوادر ازدياد النفور من هذه العقوبة بين دول عربية أخرى، وهو أمر يستحق الترحيب. وتجلت هذه البوادر في أوضح صورها في ديسمبر/كانون الأول، عندما قررت ثماني دول عربية عدم التصويت ضد قرار مهم أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وتدعو فيه لوقف تنفيذ أحكام الإعدام مؤقتاً في شتى أنحاء العالم، وهو ما ساعد على اعتماد القرار بأغلبية كبيرة. وتتزايد مخالفة السلطات في إيران وفي المملكة العربية السعودية لآراء المجتمع الدولي العريض، وهو الأمر الذي تبدى في مواصلة السلطات الإيرانية مع أقلية ضئيلة من الدول إعدام المجرمين الذين لم يبلغوا سن الرشد، وفي النظام القضائي السعودي الذي أدى فيه التمييز إلى إعدام عدد غير متناسب من المواطنين الأجانب الفقراء.
العنف ضد النساء والفتيات
وكانت المرأة تواجه درجة أكبر من انعدام الأمن بسبب التمييز ضدها في نصوص القانون وفي الواقع العملي، إلى جانب ما تتعرض له من عنف من جانب أقاربها الذكور في حالات كثيرة. وتبدت أشد حالات هذا العنف حدة فيما يُسمى «جرائم الشرف »، والتي قُتلت في إطارها نساء في الأردن والسلطة الفلسطينية وسوريا والعراق. وكانت الأجنبيات العاملات في المنازل يتعرضن بصفة خاصة للإيذاء الجنسي وغيره من صور الإيذاء على أيدي مستخدميهن، إذ كثيراً ما كُنَّ يفتقرن إلى الحماية وفقاً لقوانين العمل. وشهدت الأردن ولبنان حالات تُوفيت فيها بعض العاملات بالمنازل في ظروف مريبة، وسط ما تردد من تكهنات بأن بعضهن قد قتل، أو سقط فمات أثناء محاولة الفرار من أماكن العمل، أو لجأ إلى الانتحار في غمرة اليأس. وكانت كثرة وقوع حالات موت النساء حرقاً في إقليم كردستان شمالي العراق، إما انتحاراً أو على أيدي غيرهن، توحي بهذا الواقع نفسه.
"أعتقد أن أحكام الجلد تبعث على الإحساس بالعار وتمثل وصمة مشينة لكل الإيرانيين الذين يؤمنون بالعدالة والمساواة. وفضلاً عن ذلك، فإن هذه الأحكام هي أحد مظاهر العنف الذي يُمارس ضد المرأة في مجتمعنا." - سوزان طهماسبي، من نشطاء «حملة المساواة بين الجنسين» في إيران، في معرض التعليق على العقوبات التي فُرضت على بعض المدافعات عن حقوق المرأة.
وشهدت دول أخرى تطورات إيجابية يتجلى فيها ازدياد تقدير الحكومات للمرأة، إدراكاً منها بأنه لا ينبغي استمرار قصر مكانة المرأة على صورة ما من صور الطبقة الثانية. إذ حظرت السلطات المصرية عادة ختان الإناث )تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية(، كما أدخلت السلطات في عُمان وفي قطر تعديلات في القانون لمساواة المرأة بالرجل في شتى شؤون الإسكان والتعويض، وانضمت تونس إلى معاهدة دولية أساسية حول حقوق المرأة، وأنشأت «خطاً للطوارئ » للنساء اللاتي يواجهن العنف في محيط الأسرة.
طالبو اللجوء واللاجئون والمهاجرون غير القانونيين
تجلت حالة انعدام الأمن في أشد صورها بين طوائف اللاجئين وطالبي اللجوء الذين ظلوا محرومين من المكانة الرسمية أو الموطن الدائم، وكان الكثير منهم قد قضى في ظل الفقر عقوداً طويلة ينتظر ذلك.
فقد كان آلاف العراقيين يعيشون عيش الكفاف في الأردن وسوريا ولبنان، وغيرها من البلدان، ويعانون فقراً متزايداً وقنوطاً متفاقماً، ويواجهون خطر الترحيل إن هم التحقوا بأي عمل مقابل أجر. وفي العراق، طلبت الحكومة رحيل ثلاثة آلاف مهاجر إيراني طال مقامهم في مخيم الأشرف، رغم من أنه يبدو من المستبعد أن يفتح أي بلد ذراعيه لهم، ورغم أنهم يتعرضون لخطر داهم لو أُعيدوا قسراً إلى إيران. وكان نحو 80 لاجئاً عراقياً، ممن فروا من وطنهم في عام 1991 إبان حرب الخليج الأولى، قد قضواً عاماً آخر في محبسهم داخل مخيم تحيط به الأسوار ويخضع للحراسة، وهو مخيم أنشأته السلطات السعودية التي لا تزال ترفض منحهم حق اللجوء إليها. وفي لبنان، كان ما يقرب من نصف عدد اللاجئين الفلسطينيين الذي يقدر بمئات الآلاف لا يزالون يعيشون في المخيمات المزدحمة التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، بعد انقضاء ستين عاماً على وصولهم أو وصول أسلافهم إليها أول مرة. وقد شرعت الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفيق أوضاع أشدهم تعرضاً للخطر، أي الذين يقيمون دون أوراق رسمية ويعجزون من ثم عن الزواج بصورة قانونية وعن تسجيل مواليدهم، ولكن بعض العقبات القانونية وغيرها ما زالت قائمة، وهي تحول دون تمتع الفلسطينيين بحقوقهم في الصحة والعمل والمأوى الملائم.
وكانت السلطات في بلدان شتى تنتهك القانون الدولي بإرغام اللاجئين وغيرهم على العودة إلى بلدان يتعرضون فيها لخطر التعذيب أو الإعدام. فقد أعادت السلطات اليمنية مئات من طالبي اللجوء من حيث جاءوا، وأعادت ما لا يقل عن ثمانية أشخاص إلى المملكة العربية السعودية، على الرغم مما تردد من مخاوف على سلامتهم. وفي يناير/كانون الثاني، أعلنت الحكومة الليبية أنها تعتزم ترحيل جميع «المهاجرين بصورة غير قانونية »، وفي وقت لاحق رحلت بشكل جماعي أعداداً كبيرة من مواطني غانا ونيجيريا وبلدان أخرى. وفي يونيو/حزيران، أفادت الأنباء أن الحكومة كانت قد حاولت ترحيل أكثر من 200 شخص من إريتريا، إذ أوهمتهم أنهم سوف يُرسلون إلى إيطاليا جوّاً، وإن كان المقصد الحقيقي هو إعادتهم لبلدهم، بعد أن فر كثيرون منهم هرباً من التجنيد العسكري هناك.
وارتكبت السلطات المصرية انتهاكات أخرى. فإلى جانب عمليات الترحيل الجماعي، أي إعادة ما لا يقل عن 1200 من طالبي اللجوء بصورة فورية إلى إريتريا، أطلق حرس الحدود النار فقتلوا ما لا يقل عن 28 شخصاً أثناء محاولتهم العبور من مصر إلى إسرائيل طلباً للحماية هناك. كما اعتُقل مئات آخرون وأودعوا السجون بعد محاكمتهم أمام محاكم عسكرية. ولم تكن السلطات الإسرائيلية أقل تشدداً، إذ قامت بترحيل عشرات من طالبي اللجوء والمهاجرين فأعادتهم إلى مصر بعد نجاحهم في عبور الحدود، على الرغم من تردد مخاوف بأن بعضهم سوف يُعادون إلى السودان أو إريتريا أو بلدان أخرى قد يواجهون فيها التعذيب أو الإعدام.
"أرجوكم لا تتركونا فريسةً بين أنياب الظلم والقوة الغاشمة. أنا أخاف على نفسي، وعلى أطفالي، وأخاف بشكل خاص على زوجي، الذي يقبع في المعتقل." - من رسالة بعثت بها سيدة في السعودية إلى منظمة العفو الدولية، أغسطس/ آب 2008.
وفي المغرب والصحراء الغربية، اعتقلت السلطات وأبعدت آلافاً من المشتبه في أنهم مهاجرون بصورة غير قانونية، وورد أن بعضهم تعرض للقوة المفرطة أو سواها من ضروب سوء المعاملة، وأن البعض الآخر قد أُلقي به دون ما يكفي من الغذاء والماء في مناطق وعرة موحشة قريبة من الحدود الجنوبية للبلد. وأحكمت الحكومة الجزائرية رقابتها على المهاجرين، فجهزت لنفسها سلطات قانونية جديدة تسمح بالطرد الفوري للأجانب الذين ترى أنهم دخلوا البلد بصورة غير قانونية.
الإقصاء والتمييز والحرمان
تعرضت جماعات معينة في بلدان كثيرة للحرمان من التمتع بحقوقها الإنسانية على قدم المساواة مع باقي السكان، وكانت بعض هذه الجماعات تضم الأجانب واللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين بصورة قانونية أو غير قانونية، وهو ما أدى إلى تفاقم إحساسهم بانعدام الأمن، حسبما يتضح من الأمثلة السالفة الذكر. وكانت جماعات أخرى تضم أفراد الأقليات العرقية أو الدينية أو غيرها، وهم الذين اعتبروا موصومين بسبب عقائدهم أو هويتهم.
ففي الخليج، ظلت الحكومة القطرية ترفض منح الجنسية لأفراد قبيلة آل مرة، إذ كان بعضهم ضالعاً في محاولة انقلاب فاشلة عام 1996 ، وأصبح محظوراً عليهم بسبب ذلك التمتع بحقوق الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والتوظف. وفي عُمان، استمر تهميش أفراد قبيلتين هما آل توية وآل خليفين، وعرقلت الحكومة حصولهم على وثائق هوية رسمية، وتسوية الشؤون العائلية مثل الطلاق أو الميراث، وتسجيل أنشطتهم التجارية، بناء على قرار أصدرته الحكومة عام 2006 ، ويقضي بتخفيض منزلتهم إلى منزلة الخدم.
ناشطات يتظاهرن في الرباط، المغرب عشية اليوم العالمي للمرأة 7 مارس 2008.
www.resistingwomen.net/Ali Fkirوفي إيران، واصلت الحكومة حظر استعمال لغات الأقليات في المدارس، والانقضاض على نشطاء الأقليات، مثل عرب الأهواز، والإيرانيين الآذاريين، والأكراد، والتركمانيين، والبلوشيين، الذين يناضلون في سبيل مزيد من الإقرار بحقوقهم، كما واصلت الحظر التعسفي المفروض على الأقليات المشتبه بها فيما يتعلق بالوظائف الحكومية. وفي سوريا، تعرضت الأقلية الكردية، التي تشكل نسبة قد تصل إلى 10 بالمئة من عدد السكان، لاستمرار القمع، إذ كان عشرات الآلاف من الأكراد السوريين محرومين في الواقع من التمتع بجنسية أية دولة، ومن ثم ظلوا محرومين من التمتع على قدم المساواة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
ولم تكن العقائد الدينية الشخصية المخالفة للدولة تلقى التسامح والقبول في بلدان كثيرة، وكان ممارسو شعائرها يُحرمون من المشاركة الكاملة في المجتمع، أو يعاقبون عقوبة جسدية. ففي الجزائر، كان الذين تحولوا من الإسلام إلى اعتناق المسيحية الإنجيلية يتعرضون للاضطهاد، على الرغم من أن الدستور يكفل حرية الضمير. وفي مصر، ورد أن من يتحولون من الإسلام إلى المسيحية والبهائيين لا يزالون يواجهون صعوبات عملية في الحصول على بطاقات رسمية تقر عقيدتهم، على الرغم من الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإدارية. وفي إيران، واصلت السلطات مضايقة البهائيين وأفراد الأقليات الدينية الأخرى واضطهادهم، إذ اعتقلت بعض رجال الدين السُنَّة، وحكمت على أحد زعماء الطرق الصوفية بالسجن خمس سنوات والجلد بتهمة «نشر الأكاذيب.
وفي دول الخليج، كان العمال الوافدون من شبه القارة الهندية وغيرها من المناطق الآسيوية يمثلون عماد اقتصادها القائم على الثروة النفطية، إذ يقدمون الأيدي العاملة والمهارات اللازمة لأنشطة البناء والصناعات الخدمية. ولكن مثل هؤلاء العاملين بعقود كانوا في أحيان كثيرة يُلزَمون بالإقامة والعمل في ظروف بالغة السوء، محرومين من أية حماية حكومية من الاستغلال والإيذاء. فإذا أبدوا الاحتجاج على هذه الظروف، على نحو ما حدث في الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة، كان رد السلطات اعتقالهم وترحيلهم.
وظلت الميول المثلية الجنسية من الموضوعات المحظورة في بلدان المنطقة، وكان الأشخاص الذين يُشتبه في أنهم مثليين يُستهدفون في بلدان كثيرة. ففي مصر، تعرض بعض المشتبه في ضلوعهم في علاقات جنسية مثلية بالتراضي للاعتداء أثناء احتجازهم، كما أُجبروا على الخضوع لفحوص الشرج اختبارات حمل الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة )الإيدز(، وذلك على غير رغبتهم. كما كُبل بعضهم بالسلاسل في الفراش في المستشفي قبل إصدار الأحكام بحبسهم بتهمة الفجور. وفي المغرب، حكم بالسجن على ستة رجال بتهمة «ممارسة علاقات جنسية مثلية » بعد أن وُجهت إليهم علناً تهمة حضور «حفل زواج بين رجلين » في عام 2007.
وفي سبتمبر/أيلول، أدى انهيار كتلة صخرية إلى قتل ما يربو على 100 من سكان منطقة عشوائية في القاهرة، وهو ما سلط الأضواء على هشاشة الحياة التي يعيشها فقراء المدن المحرومون في شتى أرجاء المنطقة. وكان يمكن التنبؤ، فيما يبدو، بوقوع هذه المأساة، إذ كانت المياه التي تتسرب من جانب هضبة قريبة تنذر باحتمال حدوث كارثة، ولكن السلطات لم تتخذ أية إجراءات حتى فات الوقت. وعلى امتداد المنطقة كلها كانت تعيش جماعات أخرى من فقراء المدن والريف الذين حُكم عليهم فيما يبدو بمكابدة دورة الحرمان، من المسكن الملائم أو الرعاية الصحية أو العمل، وسلب القدرة على فعل أي شيء، إذ لا يشاركون مشاركة تذكر، أو لا يشاركون على الإطلاق، في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم. وهم قطعاً لا رأي لهم في وسائل حماية أنفسهم من التردي في فقر أشد.
وفي الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، كان الفلسطينيون الذين يعانون الفقر يتعرضون للتشريد باعتباره سياسة متعمدة، إذ قامت القوات الإسرائيلية بهدم كثير من المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، استناداً إلى أنها بُنيت دون تصريح بالبناء، في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل بصفة عامة إصدار هذه التصاريح للفلسطينيين، وتُجْلى الكثير من منازلهم. وفي وادي الأردن، أتت القوات الإسرائيلية بجرافات لهدم مساكن القرويين وحظائر مواشيهم فحرمتهم من مصادر رزقهم، وفي أماكن أخرى قطعت سبل وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم الزراعية بسبب إنشاء السور/الجدار. وكان الفلسطينيون يُمْنعون لدى نقاط التفتيش الكثيرة والمتاريس التي أقامها الجيش الإسرائيلي من الانتقال للعمل أو الدراسة أو حتى للعلاج في المستشفيات. أما في قطاع غزة، فقد أدى العدوان الإسرائيلي الذي بدأ يوم 27 ديسمبر/كانون الأول واستمر ثلاثة أسابيع إلى تدمير ما يزيد على 20 ألف منزل فلسطيني أو إلحاق أضرار بالغة بها، فضلاً عن تخريب مدارس وأماكن عمل وقتل مئات المدنيين الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، استمر توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وتنميتها، وهو ما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي.
تكميم الأفواه
على امتداد المنطقة كلها كان الذين يجاهرون بالدفاع عن حقوقهم أو حقوق الآخرين يخاطرون بالتعرض للاضطهاد من جانب الشرطة السرية التي تتمتع بسلطات هائلة، والتي كان سادتها السياسيون كثيراً ما يسمحون لها بانتهاك القانون والبقاء بمنجاة من العقاب. ولم تكن الحكومات بصفة عامة تسمح بالمعارضة، وكانت فيما يبدو تخشى الانتقاد والتحدي والفضح العلني للفساد وغيره من الأفعال المشينة.
وكانت سلطات الدولة في شتى أرجاء المنطقة تستند إلى ضرورة توفير «الأمن » من «الإرهاب » كوسيلة لبذر بذور الخوف وانعدام الأمن والقمع. وشنت جماعات مسلحة اعتداءات تتسم بالعنف في عدة بلدان، من بينها سوريا والجزائر والعراق ولبنان واليمن، ولكن الحكومات كانت تستخدم من قوانين مكافحة الإرهاب ما يتسم عمداً بالغموض والتعميم في حالات كثيرة من الحملات على معارضيها السياسيين وفي كتمان أي صوت يحاول أن يعلو بما هو مشروع من الانتقاد والمعارضة. وكانت غطرسة السلطة التي يتمتع بها جهاز المخابرات، وهو الاسم الذي يُطلق على أجهزة الأمن والاستخبارات، تسود المنطقة كلها. وكان أفراد هذه الشرطة السرية يرفعون بلاغاتهم مباشرة إلى رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، وكان مسموحاً لهم بسلطة إلقاء القبض والاحتجاز والتحقيق مع المشتبه فيهم، بل وباستخدام التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة في أحيان كثيرة وهم بمنأى عن العقاب. وقد تلقت منظمة العفو الدولية أنباء موثوقة عن وقوع التعذيب في عدة بلدان، من بينها الأردن وإيران والإمارات العربية المتحدة والبحرين وتونس وسوريا والعراق ولبنان ومصر والمملكة العربية السعودية واليمن. كما وردت أنباء أخرى عن تعذيب الفلسطينيين الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية، وكذلك عن احتجاز وتعذيب الفلسطينيين بمنجاة من العقاب على أيدي قوات الأمن التابعة لمنظمتي «فتح » و «حماس » المتنافستين، حيث تسيطر أولاهما على الضفة الغربية والثانية على غزة.
وكان أحد الأغراض الرئيسية للتعذيب هو الحصول على اعترافات تتيح رفع الدعاوى القضائية أمام محاكم يسهل انقيادها لسياسة الدولة، إذ كان القضاة فيها يعزفون عن التحقق من كيفية الحصول على الأدلة إما بدافع الخوف أو عدم الرغبة في ذلك وحسب. وكانت محاكمات خصوم الحكومة في عدد من البلدان تُعقد في محاكم «خاصة » لا تتفق إجراءاتها مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. ففي مصر، كان زعماء جماعة الإخوان المسلمين، وكلهم مدنيون، يُحاكمون أمام محكمة عسكرية لا تسمح بوجود مراقبين دوليين. وكان عدد آخر من المتهمين يُحاكمون أمام محكمة أُنشئت بموجب حالة الطوارئ التي طال أمدها في مصر. وفي ليبيا، اعتُقل 11 شخصاً بعد أن نظموا مسيرة احتجاج سلمية لإحياء ذكرى مقتل 10 متظاهرين على أيدي الشرطة، وأصدرت محكمة أمن الدولة أحكاماً بسجنهم مدداً وصل بعضها إلى 25 سنة، وإن كان قد أُفرج عن الجميع باستثناء اثنين قبل نهاية العام. وفي سوريا، كان ما لا يقل عن 300 شخص يواجهون المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة العليا التي ذاع جَوْرها، أو غيرها من المحاكم التي لا توفر لهم محاكمة عادلة، كما صدر الحكم بحبس 12 من دعاة الديموقراطية بتهم مثل «إضعاف الشعور القومي ». واشتكى هؤلاء قائلين إنهم تعرضوا للضرب في فترة الاحتجاز السابقة للمحاكمة بغرض إرغامهم على توقيع «اعترافات »، ولكن المحكمة التي نظرت القضية لم تتخذ أية خطوات للتحقيق في هذه الشكوى. وفي حالات أخرى، قضت إحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة بأن بعض السجناء كانوا محتجزين احتجازاً تعسفياً بعد أن أُدينوا في محاكمات جائرة لقيامهم بما يعتبر ممارسة مشروعة لحقهم في حرية التعبير، ولكن السلطات السورية لم تتخذ أي إجراء في هذا الصدد. واعتقلت السلطات السعودية مئات الأشخاص لأسباب أمنية، ومن بينهم عدد ممن أعربوا سلمياً عن انتقادهم للحكومة، وكان الآلاف ممن اعتقلوا في الأعوام السابقة لا يزالون مسجونين في سرية شبه تامة. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة أنها سوف تنشئ محكمة خاصة لمحاكمة ما يزيد على 900 شخص بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية، ولكنها لم تفصح عن التفاصيل الخاصة بالمتهمين، ولا مواعيد محاكمتهم، وما إذا كان سيُسمح لهم بتوكيل محامين، أو إن كانت المحكمة سوف تسمح بحضور مراقبين دوليين.
وفي كل مكان في المنطقة، حتى في الدول التي تتمتع بانفتاح نسبي، كان الصحفيون والمحررون يعرفون أن عليهم أن يعملوا في حدود هوامش معينة من الحرية حتى لا يعرضوا أنفسهم لخطر الإحالة للمحاكمة، أو إغلاق صحفهم، أو ما هو أسوأ. ففي مصر، صدر الحكم بحبس رئيس تحرير إحدى الصحف بسبب تعليقه على صحة رئيس الجمهورية. وفي الجزائر، رُفعت دعاوى قضائية على بعض الصحفيين بعد أن نشروا أنباء عما زُعم أنها حادثة فساد في الدوائر الرسمية، وتعرض أحد المحامين البارزين في مجال حقوق الإنسان للمضايقة بتهمة تلويث سمعة رجال القضاء. وفي ليبيا، ظل أحد المعارضين السياسيين رهن الاحتجاز منذ القبض عليه في عام 2004 بعد أن دعا إلى الإصلاح السياسي في مقابلة أُجريت معه في أحد أجهزة الإعلام. وفي المغرب، حيث لا يزال انتقاد النظام الملكي من المحظورات، تعرض بعض المدافعين عن حقوق الإنسان للاضطهاد بسبب مظاهرة احتجاج سلمية، كانت قد اعتُبرت مسيئة للملك، على الرغم من أن الملك أصدر عفواً ملكياً عنهم في وقت لاحق. كما حُكم بالسجن على طالب، يبلغ من العمر 18 عاماً، بعد أن كتب على أحد الجدران شعاراً يمتدح فيه فريق كرة القدم الذي يشجعه، ورأى المسؤولون أنه يتضمن مساساً بالنظام الملكي. وفي سوريا، حيث لا تبدي الحكومة أي تسامح تقريباً إزاء أية معارضة، كان من بين المستهدفين أصحاب المدونات في الإنترنت بتهمة «نشر أنباء كاذبة » أو «إضعاف الشعور القومي »، وذلك استناداً إلى قوانين شاملة تهدف إلى ردع حرية التعبير وقمعها. واتخذت حكومتا الكويت وعُمان بعض الخطوات لإحكام الضوابط على حرية التعبير من خلال الإنترنت، كما كانت السلطات في إيران وتونس وبعض الدول الأخرى تتدخل بصورة منتظمة لحجب مواقع الإنترنت التي تنتقدها، وقطع الاتصالات على الإنترنت بين المنظمات غير الحكومية المحلية العاملة في مجال حقوق الإنسان والعالم الخارجي.
وكان رد السلطات في تونس ومصر على احتجاجات العمال بشأن الأحوال الاقتصادية هو قمعها بالقوة المفرطة والاعتقالات الجماعية. وعلى غرار ذلك قامت قوات الأمن المغربية بفض الحصار الذي كان قد ضُرب على ميناء سيدي إفني تعبيراً عن الاحتجاج، وشنت حملة اعتقالات على الذين اشتبهت في تنظيمهم لذلك الحصار.
"عندما ازددت تعمقاً في أنشطة حقوق الإنسان، أدركت أن نطاقها أوسع كثيراً من مجرد التعذيب، وإن كانت كلها تنبع من المبدأ الأساسي، الذي أكده أيضاً «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، وهو احترام الكرامة الإنسانية." - أحمد سيف الإسلام حمد، محام مصري ومن نشطاء حقوق الإنسان، وتعرض للتعذيب وأمضى حكماً بالسجن لمدة خمس سنوات خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين بسبب معتقداته السياسية، من مقابلة مع منظمة العفو الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2008.
وكان المدافعون عن حقوق الإنسان والمنادون بمزيد من الحقوق، للنساء والأقليات وسواهم، أو زيادة الحرية السياسية أو التمتع بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، يشغلون مواقع بارزة في خطوط المواجهة، في شتى أنحاء المنطقة. ومع ذلك، فما برح المدافعون عن حقوق الإنسان في معظم البلدان يواجهون عقبات كبرى. ففي تونس وسوريا، كانت المنظمات المستقلة لحقوق الإنسان مضطرة إلى العمل وسط أجواء من التيه القانوني، إذ يقضي القانون بأن تحصل على تسجيل رسمي بينما ترفض السلطات الحكومية في الواقع الفعلي منحها هذا التسجيل. وفي إيران، أمرت الحكومة بإغلاق إحدى المنظمات البارزة لحقوق الإنسان، وكانت الأمم المتحدة قد شاركت في إنشائها مع شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام. ومن المفارقات أن يصدر ذلك الأمر الحكومي والمنظمة توشك أن تستضيف احتفالاً بذكرى مرور 60 عاماً على صدور «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.»
الخاتمة
كان من المؤلم أن يظل نمط انعدام المساءلة، عن أي من انتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها الناس بصورة يومية، قائماً في المنطقة. كما تزايد إحساس الأفراد في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بانعدام الأمن، إلى جانب استبعادهم من عمليات اتخاذ القرارات، وتجاهلهم أو تكميم أفواههم إذا حاولوا إسماع أصواتهم للآخرين، وهكذا شهدوا استمرار مصاعبهم على مدار عام 2008.
وظل الإفلات من العقاب من عُمد السياسات في عدد كبير من بلدان المنطقة. ففي المغرب/الصحراء الغربية، على سبيل المثال، بدا أن خطوات الكشف عن الحقيقة فيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري التي وقعت إبان حكم الملك الحسن الثاني قد توقفت. وفي الجزائر، واصلت السلطات تعطيل أي تحقيق في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة إبان الصراع الداخلي الذي دار في التسعينيات من القرن العشرين. وفي سوريا ولبنان وليبيا، لم تتخذ السلطات أية خطوات فعالة للتحقيق في انتهاكات الماضي الجسيمة أو معالجتها. ولم يكن من الغريب إذن أن حكومات تلك البلدان كانت من بين عدد من الحكومات التي لم تبد أي حماس للتحقيق فيما استجد من ادعاءات أو أحداث، مثل النبأ الذي يقول إن قوات الأمن السورية قتلت 17 سجيناً وأشخاصاً آخرين في سجن صيدنايا العسكري.
ولكن على الرغم من هذه المشاكل المنوعة، والتي كثيراً ما بدت مستعصية، فقد شهد العام المنصرم كثيراً من الأفراد، من الرجال والنساء بل والأطفال، الذين عملوا في شتى أرجاء المنطقة على الظفر بحقوقهم وحقوق غيرهم، وكان الكثيرون يبدون الصمود والجلد، حتى إزاء المخاطر الداهمة على حياتهم وأرزاقهم. ففي الجزائر، واصل أقرباء ضحايا الاختفاء القسري إبان «الحرب القذرة »، التي دارت رحاها هناك في التسعينيات من القرن الماضي، كفاحهم للكشف عن الحقيقة وإقامة العدل، مواجهين بذلك صلابة عناد الحكومة واستمرار مضايقتها لهم. وفي إيران، نجح عدد من النساء والرجال في جمع توقيعات مليون شخص على عريضة التماس تطالب بوضع حد للتمييز في القانون ضد المرأة، على الرغم من تكرار المضايقات والاعتقالات والاعتداءات التي يقوم بها المسؤولون الحكوميون الذين كانوا ينتهكون القانون. كما ناضل آخرون في سبيل وضع حد لإعدام المذنبين من صغار السن.
وكان المدافعون عن حقوق الإنسان في هذين البلدين وفي غيرهما في طليعة الداعين إلى التغيير، وإن بدت بوادر على أن بعض من يمسكون زمام السلطة السياسية قد أدركوا هم أيضاً ضرورة التغيير والإصلاح واتخاذ المزيد من الإجراءات لنُصرة حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، استغلت حكومة البحرين فرصة إجراء «المراجعة العالمية الدورية » في الأمم المتحدة لإعطاء إشارة الشروع في برنامج لإصلاح أحوال حقوق الإنسان، ومن شأنه، إذا نجح تنفيذه، أن يصبح مثالاً ناصعاً للبلدان المجاورة. وفي لبنان دعا، وزير العدل إلى سن قانون بإلغاء عقوبة الإعدام، وكانت الحكومة الجزائرية من بين المؤيدين الرئيسيين للدعوة إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام على مستوى العالم. وهكذا ظهرت في عام 2008 بوادر على بروز جيل جديد يتمتع بمزيد من الوعي بحقوقه، وبما لابد أن يكون متاحاً له من فرص، كما يشتد عزمه على تحقيقها. وقد تكون هذه الخطوات بطيئة ولكنها واثقة.