قصة سجينة اغتصبها حراسها وقتلها شقيقها تكشف مدى تفشي العنف ضد المرأة في العراق
بغداد: تينا سوزمان وقيصر أحمد *
* خدمة: «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»
في بعض الأحيان تكشف القصص المحرمة التي يخاف الناس من سرد تفاصيلها على نحو كامل عن حقيقة مكان بعينه. وفيما يلي واحدة من هذا النوع من القصص:
سجنت امرأة شابة في تكريت، شمال بغداد. وبعثت بخطاب إلى شقيقها الصيف الماضي تستنجده كي يساعدها. وكتبت المرأة، وتدعى دلال، في خطابها أنها أصبحت حاملا بعدما تعرضت للاغتصاب من قبل حراس السجن. وبالفعل، طلب الشقيق السماح له بزيارتها، ووافق الحراس. دخل الشقيق إلى الزنزانة، وأخرج مسدساً وأطلق عياراً نارياً صوب أخته التي بدا عليها الحمل بوضوح فأرداها قتيلة. بالنسبة لحراس السجن، أزاحت جريمة القتل تلك هماً من على كاهلهم أيضاً. في هذا السياق، قال أحد الموظفين في مختبر مديرية الطب الشرعي في بغداد، حيث تم إرسال جثة الضحية «ظنوا أن موتها سينهي القضية». وبناءً على إصرار الموظف، استخدم موظفو المختبر جهازا جديدا حصلوا عليه أخيرا خاصا باختبارات الحمض النووي في أخذ عينة من الجنين. وصدرت أوامر إلى حراس السجن بتقديم عينات حمض نووي خاصة بهم». وقال الموظف «ظنوا أننا سنعجز عن كشف حقيقة القضية». وكشفت نتائج العينة أن والد الطفل الذي لم ير الحياة مقدم يعمل في الشرطة تولى الإشراف على حراس السجن. وحسب قاض في محكمة تكريت، تم إلقاء القبض على مقدم الشرطة الذي أدانته نتيجة اختبار الحمض النووي ونقيب شرطة وجهت له أيضا اتهامات في القضية ذاتها ولكن أطلق سراحهما لنقص الأدلة. وقال القاضي إن متهما ثالثا، هو ملازم أول شرطة، ظل قيد الحبس. وقال مسؤول آخر في محكمة تكريت إن المقدم والنقيب ظلا في السجن، لكن تم نقلهما من تكريت إلى بغداد. واتفق العقيد حاتم ثابت، المتحدث الرسمي باسم الشرطة في محافظة صلاح الدين، حيث وقعت الجريمة، مع الرواية الأخيرة. ومع ذلك، هناك روايات أخرى تقول إن القضية جرت تسويتها اعتماداً على الأعراف القبلية، حيث دفعت عشيرة المقدم أموالا لأسرة المرأة كي تسقط الاتهامات عنه، حسبما قال بعض الأفراد على معرفة بالقضية، لكنهم خشوا من تناولها علانية. أما موظف المختبر فقال إن العاملين المعنيين بالاختبارات يعلمون أن ضباط الشرطة الثلاثة أطلق سراحهم. وأضاف: «سمعت أن القضية تمت تسويتها عبر فدية قبلية»، موضحاً أن: «هذه القضية تؤرقني. أنا أضطلع بعملي، لكن الأشرار يعودون مجدداً إلى الشوارع». أما شقيق المرأة فتتضارب حوله الأقاويل، فبينما يعتقد البعض أنه تعرض للسجن لقتله شقيقته، يدعي آخرون أنه أطلق سراحه كجزء من اتفاق قبلي. وبشكل عام، يعد العنف ضد المرأة داخل العراق واحداً من القضايا المتفاقمة، لكن نادراً ما يجري تناولها. ولا تتوفر إحصاءات حول معدلات جرائم القتل «غسلا للعار». وأشار أحد مسؤولي مديرية الطب الشرعي ببغداد، والذي كشف عن تفاصيل قضية تكريت للمرة الأولى الصيف الماضي، إلى أن عدد جرائم الاغتصاب التي يتم إبلاغ الشرطة بها يتراوح بين 5 و10 شهرياً على مستوى البلاد بأكملها. واستطرد قائلا «في الواقع، إن العدد الحقيقي لجرائم الاغتصاب أكبر مما نعرفه. فعلى سبيل المثال، تشهد السجون عددا بالغا من حالات الاغتصاب». ونوه أحد العاملين بالمديرية إلى أن معظم جرائم قتل النساء ترتبط بالشرف، مشيراً إلى أنه في اليوم السابق تلقى جثة امرأة حامل مذبوحة من الرقبة. ومن جانبهم، قال أنصار حقوق الإنسان إن الكثير من جرائم القتل يجري إضفاء طابع جرائم «الشرف» عليها عمداً من جانب الجناة لضمان تلقي عقوبة مخففة. وفي هذا الصدد، أكدت ابتسام حمودي العزاوي، المهندسة السابقة التي تتولى إدارة منظمة صغيرة معنية بتقديم العون إلى النساء اللائي يتعرضن لمعاملة سيئة من داخل منزلها في بغداد، أن «الوضع أصبح أسوأ بكثير الآن»، مضيفة أن: «مجتمعنا يشهد حرباً كبيرة، وهذا ينعكس على وقوع انتهاكات على الصعيد الأسري». واستطردت ابتسام، التي لقي زوجها، عميد إحدى الجامعات، مصرعه على يد متطرفين عام 2007، قائلة «كل شيء يسوده العنف. حتى الأطفال يعشقون الحرب». وتقضي ابتسام الكثير من وقتها في الاستجابة لطرقات على باب منزلها أو الرد على اتصالات هاتفية من نساء يبحثن عن مفر من منازلهن حيث يتعرضن لمعاملة سيئة. ويتمكن الناس من الوصول إليها فقط عبر الاتصال الشخصي. وتعمد ابتسام على عدم إخبار جيرانها بما تقوم به خشية تعرضها أو إحدى بناتها لهجوم من قبل المتطرفين. يشار إلى أن العراق ليس به ملاذات للنساء اللائي يتعرضن للعنف أو لتهديدات، في وقت تسببت الحرب في تمزيق وتشريد أسر ربما كانت ستوفر الملاذ لأقاربهن الإناث. وفي خضم حالة الفوضى التي تجتاح البلاد، أصبح القتل سبيلا ميسرا أمام الرجال الراغبين في إنهاء زواجهم، فهو أرخص كلفة من الطلاق، حسبما قالت ابتسام. وأضافت ابتسام: «تتعرض النسوة للقتل، لكن غالباً ما يجري الإبلاغ عنهن باعتبارهن مفقودات. ويعد هذا كله جزءا من الفوضى. يقدم بعض الأزواج على قتل زوجاتهم، ثم يدعون أنهن ربما تعرضن للاختطاف أو لقين حتفهن في تفجير. وكثيراً ما توجد مشكلات أسرية بين زوج وزوجة. وفجأة، تختفي الزوجة».
بغداد: تينا سوزمان وقيصر أحمد *
* خدمة: «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»
في بعض الأحيان تكشف القصص المحرمة التي يخاف الناس من سرد تفاصيلها على نحو كامل عن حقيقة مكان بعينه. وفيما يلي واحدة من هذا النوع من القصص:
سجنت امرأة شابة في تكريت، شمال بغداد. وبعثت بخطاب إلى شقيقها الصيف الماضي تستنجده كي يساعدها. وكتبت المرأة، وتدعى دلال، في خطابها أنها أصبحت حاملا بعدما تعرضت للاغتصاب من قبل حراس السجن. وبالفعل، طلب الشقيق السماح له بزيارتها، ووافق الحراس. دخل الشقيق إلى الزنزانة، وأخرج مسدساً وأطلق عياراً نارياً صوب أخته التي بدا عليها الحمل بوضوح فأرداها قتيلة. بالنسبة لحراس السجن، أزاحت جريمة القتل تلك هماً من على كاهلهم أيضاً. في هذا السياق، قال أحد الموظفين في مختبر مديرية الطب الشرعي في بغداد، حيث تم إرسال جثة الضحية «ظنوا أن موتها سينهي القضية». وبناءً على إصرار الموظف، استخدم موظفو المختبر جهازا جديدا حصلوا عليه أخيرا خاصا باختبارات الحمض النووي في أخذ عينة من الجنين. وصدرت أوامر إلى حراس السجن بتقديم عينات حمض نووي خاصة بهم». وقال الموظف «ظنوا أننا سنعجز عن كشف حقيقة القضية». وكشفت نتائج العينة أن والد الطفل الذي لم ير الحياة مقدم يعمل في الشرطة تولى الإشراف على حراس السجن. وحسب قاض في محكمة تكريت، تم إلقاء القبض على مقدم الشرطة الذي أدانته نتيجة اختبار الحمض النووي ونقيب شرطة وجهت له أيضا اتهامات في القضية ذاتها ولكن أطلق سراحهما لنقص الأدلة. وقال القاضي إن متهما ثالثا، هو ملازم أول شرطة، ظل قيد الحبس. وقال مسؤول آخر في محكمة تكريت إن المقدم والنقيب ظلا في السجن، لكن تم نقلهما من تكريت إلى بغداد. واتفق العقيد حاتم ثابت، المتحدث الرسمي باسم الشرطة في محافظة صلاح الدين، حيث وقعت الجريمة، مع الرواية الأخيرة. ومع ذلك، هناك روايات أخرى تقول إن القضية جرت تسويتها اعتماداً على الأعراف القبلية، حيث دفعت عشيرة المقدم أموالا لأسرة المرأة كي تسقط الاتهامات عنه، حسبما قال بعض الأفراد على معرفة بالقضية، لكنهم خشوا من تناولها علانية. أما موظف المختبر فقال إن العاملين المعنيين بالاختبارات يعلمون أن ضباط الشرطة الثلاثة أطلق سراحهم. وأضاف: «سمعت أن القضية تمت تسويتها عبر فدية قبلية»، موضحاً أن: «هذه القضية تؤرقني. أنا أضطلع بعملي، لكن الأشرار يعودون مجدداً إلى الشوارع». أما شقيق المرأة فتتضارب حوله الأقاويل، فبينما يعتقد البعض أنه تعرض للسجن لقتله شقيقته، يدعي آخرون أنه أطلق سراحه كجزء من اتفاق قبلي. وبشكل عام، يعد العنف ضد المرأة داخل العراق واحداً من القضايا المتفاقمة، لكن نادراً ما يجري تناولها. ولا تتوفر إحصاءات حول معدلات جرائم القتل «غسلا للعار». وأشار أحد مسؤولي مديرية الطب الشرعي ببغداد، والذي كشف عن تفاصيل قضية تكريت للمرة الأولى الصيف الماضي، إلى أن عدد جرائم الاغتصاب التي يتم إبلاغ الشرطة بها يتراوح بين 5 و10 شهرياً على مستوى البلاد بأكملها. واستطرد قائلا «في الواقع، إن العدد الحقيقي لجرائم الاغتصاب أكبر مما نعرفه. فعلى سبيل المثال، تشهد السجون عددا بالغا من حالات الاغتصاب». ونوه أحد العاملين بالمديرية إلى أن معظم جرائم قتل النساء ترتبط بالشرف، مشيراً إلى أنه في اليوم السابق تلقى جثة امرأة حامل مذبوحة من الرقبة. ومن جانبهم، قال أنصار حقوق الإنسان إن الكثير من جرائم القتل يجري إضفاء طابع جرائم «الشرف» عليها عمداً من جانب الجناة لضمان تلقي عقوبة مخففة. وفي هذا الصدد، أكدت ابتسام حمودي العزاوي، المهندسة السابقة التي تتولى إدارة منظمة صغيرة معنية بتقديم العون إلى النساء اللائي يتعرضن لمعاملة سيئة من داخل منزلها في بغداد، أن «الوضع أصبح أسوأ بكثير الآن»، مضيفة أن: «مجتمعنا يشهد حرباً كبيرة، وهذا ينعكس على وقوع انتهاكات على الصعيد الأسري». واستطردت ابتسام، التي لقي زوجها، عميد إحدى الجامعات، مصرعه على يد متطرفين عام 2007، قائلة «كل شيء يسوده العنف. حتى الأطفال يعشقون الحرب». وتقضي ابتسام الكثير من وقتها في الاستجابة لطرقات على باب منزلها أو الرد على اتصالات هاتفية من نساء يبحثن عن مفر من منازلهن حيث يتعرضن لمعاملة سيئة. ويتمكن الناس من الوصول إليها فقط عبر الاتصال الشخصي. وتعمد ابتسام على عدم إخبار جيرانها بما تقوم به خشية تعرضها أو إحدى بناتها لهجوم من قبل المتطرفين. يشار إلى أن العراق ليس به ملاذات للنساء اللائي يتعرضن للعنف أو لتهديدات، في وقت تسببت الحرب في تمزيق وتشريد أسر ربما كانت ستوفر الملاذ لأقاربهن الإناث. وفي خضم حالة الفوضى التي تجتاح البلاد، أصبح القتل سبيلا ميسرا أمام الرجال الراغبين في إنهاء زواجهم، فهو أرخص كلفة من الطلاق، حسبما قالت ابتسام. وأضافت ابتسام: «تتعرض النسوة للقتل، لكن غالباً ما يجري الإبلاغ عنهن باعتبارهن مفقودات. ويعد هذا كله جزءا من الفوضى. يقدم بعض الأزواج على قتل زوجاتهم، ثم يدعون أنهن ربما تعرضن للاختطاف أو لقين حتفهن في تفجير. وكثيراً ما توجد مشكلات أسرية بين زوج وزوجة. وفجأة، تختفي الزوجة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق