الأحد، 21 فبراير 2010

معتقل كروبر.. تمييز طائفي وخطوط من ثلاثة ألوان و (شيف(

عند تسلق درج حديدي بارتفاع عدة أمتار قرب أحد قواطع المعتقل، يبدو "كروبر" وكأنه قلعة منيعة... أسلاك شائكة التفت فوق جدران عالية وسميكة، مئات من المعتقلين يرتدون الاصفر ويتحركون بأجسام هزيلة، بعضهم خرج إلى الساحات لأداء صلاة الظهر، و آخرون جلسوا القرفصاء يتبادلون الأحاديث في ساعة الاستراحة، بينما أحاط المجندون الاميركيون بالمعتقلين وانتشروا في مختلف الأماكن.
"كروبر" هو أكبر المعتقلات الاميركية في العراق، ويقع على مسافة قصيرة من أحد قصور صدام قرب مطار بغداد الدولي، ومن المقرر تسليمه الى الحكومة العراقية في تموز المقبل ليكون آخر المعتقلات الاميركية في العراق، بعد أن جرى تسليم أربعة معتقلات شهيرة هي أبي غريب في بغداد، بوكا في البصرة، سوسة في السليمانية ومعتقل التاجي وهو سجن اصلاحي في بغداد.
وعلى الرغم من الاختلاف من حيث البناء والتحصين بين معتقل بروكر وغيره من المعتقلات الاميركية، إذ يعد الأكثر تحصينا بينها، إلا أن تقسيمات المعتقل من الداخل تبدو نسخة مطابقة عن تلك التقسيمات الموجودة في المعتقلات الأخرى. فالسجن قسم الى قطاعات شيعية وأخرى سنية، ومن ثم صنف المعتقلون فيه طبقا لخطورتهم ضمن ثلاثة "خطوط".
وقد تم وضع المتشددين منهم والذين يصفهم المشرفون على المعتقل بـ"الخطرين" في قواطع مخصصة لهم تعرف بـ "الخط الأحمر". أما المعتقلين الاقل تشددا فتم وضعهم في الخط الأصفر، وهؤلاء حسب قول ضباط السجن "يوجد علامات استفهام كبيرة حول تاريخهم". وهناك أخيرا المعتقلين المصنفين كمشتبه بهم ولم تثبت ادانتهم بعد، وهؤلاء يقطنون الخط الأخضر.
ويؤكد مسؤولو المعتقل ان هذا التقسيم جاء لضرورات امنية فرضتها طبيعة المعتقلين. فوضع السجناء داخل المعتقل دون تقسيمهم طبقا لانتمائهم الطائفي ولدرجة تشددهم سيؤول الى مشكلات عديدة بحسب الضباط الاميركيين.
يقول العقيد جالفان قائد الوحدة 89 المسؤولة عن ادارة معتقل كروبر انه "حينما جمعنا الشيعة والسنة في وقت سابق حدثت مشاكل ومشاجرات بين افراد في جيش المهدي ومتشددين سنة وصلت الى الضرب والسباب وكان هذا الارباك سببا في اتخاذ هذه الخطوة". جالفان يرى ان السيطرة على 2500 معتقل في سجن كروبر "لا يمكن ان تتم الا بهذه الطريقة المحكمة".
وعند مدخل المعتقل، توجد مجموعة من الأسلحة البيضاء عرضتها إدارة السجن، وهي مصنوعة بواسطة اسلاك ربطت إلى قطع خشبية ومعدنية مختلفة او بواسطة أدوات مطبخ.
ويقول العقيد مولاي قائد كتيبة الشرطة العسكرية 192 المشرفة على ادارة شؤون المعتقلين في معتقل كروبر، ان "بعض المعتقلين يقومون بصناعة اسلحة داخل المعتقل غالبا ما يتم ضبطها أثناء عمليات التفتيش الدوري". ويضيف أن هناك "تدريب ومحاولات اغراء لمعتقلين بالعمل مع متشددين لذا فنحن نعزل المتشددين عن المعتقلين المعتدلين للحد من ظاهرة تدريب الارهابيين والتعليم داخل المعتقل، وحينما نكتشف المروجين للارهاب ننقلهم الى قاطع المتشددين".
وكأحد اساليب الإدارة داخل المعتقل، يقوم المعتقلون بانتخاب واحد من بينهم يطلق عليه تسمية "الشيف" يكون بمثابة ممثل للسجناء ومراقب للخروقات التي يقومون بها في الوقت نفسه، إذ يتعامل بحرص داخل المعتقل ويكشف الاساليب غير المرغوب فيها ويبلغ الاميركان عن تصنيع الاسلحة والمواقع التي يتم اخفائها فيها داخل المعتقل، وهو في نفس الوقت يقدم خدمات للمعتقلين من خلال عمله كوسيط بينهم وبين الإدارة.
وعند دخول السجناء أو خروجهم من المعتقل يمرون بنقطة ثابتة ورئيسة يطلق عليها تسمية "الايهو"، يجري فيها تدوين المعلومات اللازمة عن هوياتهم وطبيعة التهم الموجهة اليهم ومناطق السكن وكل ما يتعلق بشحصياتهم. ثم يقوم السجناء بايداع ملابسهم واشيائهم الخاصة بعد استلامهم الكسوة، ويجري منحهم ارقاما محددة. ويقول العقيد جالفان "حينما يدخل المعتقلون الى المكان يخضعون لاختبارات نفسية نجمع خلالها المعلومات لمعرفة اتجاهاتهم، فإذا مااكتشفنا ان المعتقل معتدل نقوم باعادة تأهيلة من خلال الصفوف التدريسية".
وبحسب جالفان فإن نسبة الامية تصل الى 60 % بين المعتقلين، ويجري تدريسهم اللغة العربية والقرآن الكريم، وتعليمهم عبر رجال دين كيفية تفسير الآيات القرآنية التي كانوا يفسروها بشكل مختلف.
الى جانب ذلك، يتلقى المعتقلون تدريبا مهنيا على الفنون والخياطة والكومبيوتر ليتمكن من الحصول على مهنة بعد خروجه من المعتقل. ويمنح كل معتقل أربعة دولارات يوميا مقابل اشتراكه في اربع ساعات من التعليم المهني غالبيتهم يقوم بجمعها وتسليمها الى عائلته عند الزيارة.
وتخضع العائلات الداخلة الى كروبر لزيارة ابنائها المعتقلين الى اجراءات امنية مشددة يتم خلالها تفتيش الاطفال والكبار واخضاعهم للفحص الدقيق باستخدام اجهزة خاصة.
ويقول مولاي ان "العائلات الداخلة الى المكان تخضع لاجراءات تفتيش دقيقة للتأكد من عدم وجود الاسلحة او بعض الوسائل التي تساعد السجناء على صناعتها". وعند دخول العائلات الى المكان صالة الزيارة اتجهت كل عائلة الى الغرفة التي طل منها قريبها وتناولت الهاتف للحديث معه من وراء زجاج مانع للصوت.
وكشف الضباط الذين التقيناهم عن السماح لعوائل المعتقلين العرب والأجانب بزيارتهم، لكن "بشرط توافق الحكومة العراقية على دخول تلك العوائل للعراق".
كما يسمح للمعتقلين غير المتشددين بمتابعة بعض القنوات التلفزيونية والإذاعية المحددة في ساعات محددة، ويسمح لهم بإجراء مكالمة شهرية لعوائلهم عبر الهاتف، إلا أن مكالماتهم تخضع للمراقبة، كما لا يسمح استخدام أكثر من بضع جمل في كل مكالمة.
ويشير الضباط أيضا إلى بعض الحالات التي عاد فيها المعتقلون المطلق سراحهم للعمل كمترجمين مع القوات الاميركية. ويقول العقيد مولاي بالفعل في هذا الصدد " بعض المعتقلين عادوا بعد اطلاق سراحهم للعمل كمترجمين مع القوات الاميركية، بل ان بعضهم نحن من عرضنا عليهم العمل معنا، فكونهم معتقلين سابقين هذا لا يمنع عملهم معنا وغالبيتهم من المعتقلين الذين لم تثبت ادانتهم بتهم، وعليه لم نمانع من التعامل معهم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق