السبت، 26 يونيو 2010

إقرار التقرير الخاص بالعراق في مجلس حقوق الإنسان

الأمم المتحدّة - جنيف
أقرّ مجلس حقوق الإنسان بتأريخ 11/6/2010 تقرير الفريق العامل المعني بالإستعراض الدوري الشامل المقدّم بخصوص حقوق الإنسان في العراق. وقد جاء ذلك أثناء إجتماعات دورته الرابعة عشرة التي إختتمت أعمالها في جنيف بتأريخ 18/6/2020، ويأتي هذا الإقرار إستكمالاً لإستعراض حالة حقوق الإنسان في العراق التي جرت بتأريخ 16/شباط/2010.
وقد إعتبرت أوساط دولية داخل الأمم المتحدّة، أن إقرار التقرير هو في الحقيقة توثيق لإدانة دولية واسعة للمارسات الإجرامية لهذه الحكومة، وأنه جاء في جوّ من الإهانة الواضحة لوفد الحكومة العميلة الذي رأسته وجدان ميخائيل وزيرة حقوق الإنسان!!، حيث إمتنعت معظم دول العالم عن المشاركة في الحوار التفاعلي، ولم تتحدث سوى عدّة دول معروفة بسوء سجلّها في مجال حقوق الإنسان. ويعدّ هذا الإمتناع، أمر لا سابقة له في مثل هذه المناسبات، مما أوقع وفد السلطة العميلة في حرج شديد. ولم تدع بعض الدول - العربية - هذه المناسبة لتمرّ دون مجاملات رخيصة تبعث على الإشمئزاز على حساب الدم العراقي المسفوك، والإنتهاكات الواسعة التي ترتكبها السلطات العميلة للإحتلال التي تؤكد يوماً بعد آخر حقدها على العراق أرضاً وشعباً وتأريخاً، وحقدها على كل ما يمت للعروبة بصلة.
إن سبب إمتناع دول العالم عن الحديث في هذه الدورة رغم مشاركتها الواسعة في دورة الإستعراض الرئيسية التي عقدت في شهر شباط من هذا العام يعود إلى إمتعاضها من رفض توصيات مهمّة لها خاصّة تلك التي تتعلق بعقوبة الإعدام، إذ إعتبرت أن هذا الموقف ينمّ عن عقلية إجرامية لا مجال للتحاور معها. كما لاحظت أن الوفد قد مارس التضليل أثناء ردوده على المطالبات، وخاصة فيما يتعلق بإتفاقية التعذيب التي تكرّرت في ثلاث مواضع، إذ ذكر الوفد موضوع الإنضمام إليها ضمن الإنجازات، ثم ضمن الإلتزامات الطوعية، ثم ضمن التوصيات الموافق عليها.
وهكذا فلم تتحدث بشأن تقرير العراق في هذه الدورة سوى، الإمارات، الكويت، السعودية، البحرين، مصر وسيدتهم الولايات المتحدّة الأمريكية.. وقد تشابهت كلمات هذه الكيانات في الإشادة بجهود نشر ثقافة حقوق الإنسان في العراق، وما قامت به السلطات لتعزيز حقوق الإنسان رغم الصعاب والتحديات!!

نظرة المجتمع الدولي إلى العراق الجديد!
إن حقيقة ما إعتبرته أوساط الحكومة العراقية العميلة وكأنه نصراً دبلوماسياً، تمثّل في أن الفريق العامل في مجلس حقوق الإنسان قد جمع كل المطالب التي قدّمتها الدول في جلسة المراجعة الأساسية التي جرت بتأريخ 16/2/2010، والتي تمثّلت بأكثر من 176 مطلباً، وجدّ وفد الحكومة العميله نفسه مضطراً للموافقة على 135 مطلباً، ووعد بدراسة 14 مطلباً، في حين رفض 27 مطلباً. وتوضّح هذه المطالب أن المجتمع الدولي يرى أن العراق أصبح بلداً خالياً من أبسط مبادئ وقواعد حقوق الإنسان.
فمن ضمن الطلبات التي وافق عليها وفد السلطة العميلة، على سبيل المثال لا الحصر: الإمتثال للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومثل هذا المطلب - على سعته وشموليته - لا يوجّه إلاّ للكيانات الخارجة عن أبسط القواعد، والتي لا تلتزم بأية قوانين دولية خاصّة ما يتعلق بحماية المواطنين وضمان تمتّعهم بالحقوق الأساسية.
ومن الطلبات الأخرى الموافق عليها، توجيه دعوات دائمة ومفتوحة لكل المقرّرين الخاصّين للأمم المتحدّة لزيارة العراق، وهذا يعني الموافقة على قيام أكثر من أربعين مقرّراً خاصاً أو الفرق الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان بزيارة العراق للتحقيق في الإتهامات المتعلقة بإنتهاكات حقوق الإنسان، وقد تكون هذه الزيارات منفردة أو قد يتفق عدّة مقرّرين خاصين على الزيارة. إن عدداً من هؤلاء المقرّرين ينتظر الزيارة منذ سنوات مثل المقرّر الخاص بالتعذيب، والمقرّر الخاص عن إستقلال القضاء والمحامين، والفريق العامل المعني بالمرتزقة، والمقرّرة الخاصّة المعنيّة بالمرأة، وقد مارست حكومة العملاء كل أساليب التسويف للتخلص من هذه الزيارات ولا نعرف كيف ستتملص هذه المرّة خاصّة مع آلية المتابعة المستمرة التي يضعها المجلس لتنفيذ التوصيات.
ومن التوصيات الأخرى الموافق عليها: إعمال الحقّ في الحياة، وإحترام سيادة القانون، وإتخاذ التدابير اللازمة لضمان حيادية القضاء وإستقلاله، والإلتزام بالمعايير الدولية فيما يتعلق بالمحاكمات العادلة، وإتخاذ التدابير الفعّالة لمنع التمييز بسبب الدين والمعتقد.
إن هذه الموافقة تؤكد جملة حقائق منها: أن الحقّ في الحياة كان منتهكاً على نطاق واسع، وأن سيادة القانون هي غائبة، وأن القضاء غير محايد وغير مستقل ولذلك فقد تعهدّت (وجدان ميخائيل) بإتخاذ التدابير لضمان الحيادية والإستقلال، وأن تلتزم بالمعايير الدولية فيما يتعلق بالمحاكمات العادلة التي أكدّت معظم الدول أن كل المحاكمات التي جرت هي غير محايدة ولا تلتزم بالمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وتأتي موافقة وفد السلطات العميلة ليؤكدّ هذا الموقف.
كما تضمنت التوصيات التي وافقت عليها الحكومة العميلة تعهدّات مثل: التعهد بإجراء تحقيقات مستقلّة وموثوق بها في قضايا التعذيب، ومحاسبة كل المسؤولين عن ذلك وتقديم التعويضات للضحايا، وإعتبار الإعترافات المنتزعة تحت التعذيب والمعاملة السيئة، ممارسات غير مقبولة، والسماح لكل المتهمين بإعداد دفاعهم من خلال محامين يختارنوهم بأنفسهم، وضمان حماية كل المحتجزين، ومعاملتهم بصورة حسنة، ضمان حرّية التعبير، ووضع حدّ لسياسة الترهيب ضدّ الصحفيين والإعتداء عليهم من قبل مسؤولين في الحكومة، العمل لضمان عدم تشغيل الأطفال وضمان حصولهم على التعليم والرعاية الصحّية، والقضاء على الأمية، التحقيق في الإعتداءات على الأقليّات الدينية، العمل للحدّ من العنف ضدّ المرأة والتحقيق في ظواهر قتل النساء.
ولعل أن هذه الموافقة هي إقرار بما كانت هذه السلطات تمتنع عن الإقرار به من ممارسات يومية، متكررة اضحت تمثل نهج التعامل مع المواطنين وخاصّة إساءة معاملة المحتجزين، التعذيب، ترهيب الصحفيين وعدم وضع حلول للحد من تشغيل الأطفال والحد من العنف ضدّ المرأة.
كما أن هذه التوصيات تؤكدّ، بحد ذاتها، نظرة المجتمع الدولي لبلد اصبح خالياً من أي إلتزام بالحقوق الأساسية للمواطنين، علماً ان هذه التوصيّات مقدّمة من دول أوربية ودول من العالم الثالث مثل أنغولا، غانا، نيجيريا، بنغلاديش، ماليزيا، شيلي، أوروغواي و البرازيل.

توصيات لم تحظ بالموافقة
امّا التوصيات التي لم تحظ بموافقة الحكومة العميلة، فهي دليل مضاف وحاسم جدّا على سلوك هذه السلطة ومدى إيغالها في التنكر لأبسط الإلتزامات في وقت تتشدق فيه بالحديث عن حقوق الإنسان.
فمن أهم التوصيات المرفوضة رفضاً قاطعاً هي ما يتعلق بعقوبة الإعدام، حيث قدّمت دول عديدة من بينها (النرويج، سويسرا، بلجيكا، أوروغواي، إيطاليا، هولندا، اليونان، الأرجنتين، الدانمارك، السويد، أستراليا، شيلي، نيوزيلندا، سلوفاكيا، كندا، سلوفينيا، هنغاريا، أوكرانيا، بريطانيا وآيرلندا الشمالية، النمسا، فرنسا، و ألمانيا) مقترحات محدّدة بناءً على طلب المنظمات غير الحكومية تتلخص بضرورة خفض نطاق الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام وعلى وجه التحديد جميع الجرائم غير العنفية، والإعلان، كخطوة أولى، عن الوقف الفوري لتنفيذ عقوبة الإعدام تمهيدا لإلغائها ﻧﻬائيا وتخفيف جميع أحكام الإعدام الصادرة ريثما يتم إلغاء العقوبة.
إلاّ أن هذه المقترحات الصادقة لم تلق القبول كما أسلفنا، وكأن وفد السلطة العميلة يريد أن يقول للمجتمع الدولي أننا ماضون في سفك دماء العراقيين الأبرياء، ماضون في ممارسة أبشع صور الإنتقام طالما أن المحتل الأمريكي والدول العربية توفّر لنا الغطاء الشرعي الكافي لممارسة هذا الإجرام وهذه السادية.

تبجح مفضوح
ومما يثير السخرية أن وفد السلطة العميلة راح يتبجح بتصديق أو إنضمام العراق للإتفاقيات الرئيسة في مجال حقوق الإنسان، إلاّ أن هذا التبجح قد فضحته حقيقة أن التقرير المقدّم يجب أن يتضمن تأريخ المصادقة أو الإنضمام، وكما مبيّن أدناه فأن معظم الإتفاقيات الواردة في التقرير كان العراق قد صادق أو إنضمّ إليها في ظل الحكومات العراقية الوطنية التي سبقت الإحتلال، ومنها:
1- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إنضم لها العراق عام ١٩٧١
2- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إنضم لها العراق عام ١٩٧١
2- الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، إنضم لها العراق عام ١٩٧٠
4- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إنضم لها العراق عام ١٩٨٦
5- اتفاقية حقوق الطفل، إنضم لها العراق عام ١٩٩٤
6- اتفاقية الحد الادنى لسن العمل لعام 1973، إنضم لها العراق عام 1985
7- اتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال، لعام 1999، إنضم لها العراق عام2001
8- اتفاقية إلغاء العمل الإجباري لعام 1957 عام 1959
9- اتفاقية منع التمييز في العمل وشغل الوظائف لعام 1958، إنضم لها العراق عام 1959
10- اتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية لعام 1949، إنضم لها العراق عام 1962
11- اتفاقية العمل الإجباري لعام 1930، إنضم لها العراق عام 1962
12- اتفاقية المساواة في الأجور لعام 1951، إنضم لها العراق عام 1963

هذا بالإضافة إلى إتفاقية حظر إستعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها واتفاقية
الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين الملحقين بها، والاتفاقية المتعلقة بالتنوع البايلوجي واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ وبروتوكول كيوتو الملحق بها

دور منظمات المجتمع المدني
كان تقرير المنظمات غير الحكومية هو أحد الوثائق الثلاث التي شكلّت أساس الإستعراض. ورغم أن الإحتلال الأمريكي والسلطة العميلة له قد شكلّا آلافاً مما أسمياه "منظمات المجتمع المدني" وأغدقا عليها بالمساعدات والتمويل، إلاّ أن مسيرة الإستعراض أثبتت أن هذه المنظمات ماهي إلاّ ظلٌ للسلطات. فلم تقدّم هذه المنظمات أية تقارير للمساهمة في أهمّ فرصة تتاح لمنظمات المجتمع المدني. ورغم زجّها في دورات تدريبية وإجتماعات كثيرة لهذا الغرض إلاّ أننا لم نجد تقاريراً من هذه المنظمات (المدللة) وإنمّا كانت التقارير المقدّة هي تقارير المنظمات العراقية التي لا صلة لها بالسلطات والتي تعمل على أساس العمل التطوعي. كما ساهمت معها منظمات صديقة، عربية وأجنبية. وقد تناولت هذه المنظمات في تقاريرها تفاصيل معظم الإنتهاكات الجارية منذ الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق. وضمّت طائفة الإنتهاكات، قضايا الخدمات الأساسية، والحقوق المدنية والسياسية، قضايا الإعتقالات والمعاملة داخل السجون والتعذيب، الإعدامات الصورية، ما يجري في القضاء والمحاكمات غير العادلة، الفساد، البطالة، حقوق الطفل والمرأة. كما تضمنّت تفاصيل عن ما يرتكب في ظل قانون الإجتثاث سئ الصيت، وقد لقيت هذه التقارير إهتماماً كبيراً من معظم الدول المشاركة في الإستعراض وإنعكس ذلك في البيانات التي القتها في دورة الأستعراض الرئيسية في شباط 2010.

أما في مرحلة إقرار التقرير في هذه الدورة (حزيران/2010) فقد عاودت المنظمات غير الحكومية التأكيد على مواقفها بخصوص الإنتهاكات المرتكبة، وعدم ثقتها بما وعدت به السلطات من إجراءات، وعبّرت أيضاً عن إمتعاضها من رفض الكثير من التوصيات المهمّة. تحدثت كل من حركة مناهضة العنصرية وتوطيد الصداقة بين الشعوب، مركز القاهرة لحقوق الإنسان، هيومان رايتس ووج، معهد الدراسات النسائية، اتحاد المحامين العرب، منظمة شمال جنوب، اتحاد العام لنساء العراق، المنظمة السويدية لحقوق الإنسان، إتحاد الحقوقيين العرب، منظمة تعزيز التعاون والإتصالات الأفريقية، الشبكة القانونية الكندية، الإتحاد العام للنساء العرب، الحركة الهندية توباج آمارو، الاتحاد الدولي للمحامين الديمقراطيين، وبعد أن وجهّت إنتقادات للوفد مؤكدة عدم وجود اي تحسن في حالة حقوق الإنسان، وإستشهدت باوضاع المرأة واللاجئين والخدمات وقضايا السجون وانتزاع الإعترافات من خلال التعذيب والإعدامات الصورية والمحاكمات غير العادلة والفساد الحكومي، طالبت المجلس بوضع آلية مراقبة دقيقة لضمان تنفيذ التوصيات للتخفيف عن كاهل الشعب العراقي جرّاء ما يتعرض له على أيدي أجهزة هذه السلطات من إنتهاكات لأبسط حقوقه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق