الأربعاء، 2 فبراير 2011

معتقلون يؤكدون تعرضهم للتعذيب بسجنٍ سري في بغداد

لندن (بابنيوز) : يؤدي الكشف عن وجود سجونٍ سريّةٍ في قلب بغداد يناقض كلياً وعود الحكومة العراقيّة باحترام حكم القانون. ويتعيّن على الحكومة أن تُقفل هذه المواقع وتُخضعها لإدارة النظام القضائي وتُحسِّن ظروف الاعتقال فيها وتحرص على معاقبة كلّ من كانت له يد في ارتاكب أعمال تعذيب.
جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشما أفريقيا في هيومن رايتس ووتش
(بغداد) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم بأنّ قوّات النخبة الأمنيّة الخاضعة لإدارة المكتب العسكري لرئيس الوزراء العراقي نور المالكي تتولّى إدارة مركز اعتقال سرّي يقع في مدينة بغداد. كما لفتت إلى أنّ القوّات المذكورة تقوم بتعذيب المعتقلين في موقعٍ آخر بلا حسيب أو رقيب.
هذا وكشفت مقابلات ومستندات حكوميّة سريّة حصلت عليها هيومن رايتس ووتش بأنّه منذ تاريخ الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2010 ولفترة ثلاثة أو أربعة أيام، قامت السلطات العراقيّة بنقل أكثر من 280 معتقل إلى موقعٍ سرّي يقع داخل معسكر العدالة وهو قاعدة عسكريّة كبيرة تقع شمل غرب مدينة بغداد. ويخضع هذا الموقع السرّي لإدارة كلّ من اللواء 56 المعروف أيضاً باسم لواء بغداد وجهاز مكافحة الإرهاب وكلاهما يأتمر بمكتب رئيس الوزراء. وجرت عمليّات النقل المعجلة قبل بضع أيام من موعد زيارة فريق تحقيق دولي يتولّى الكشف عن ظروف الاعتقال في موقف معسكر الشرف الواقع داخل حدود المنطقة الخضراء حيث كان السجناء موقوفين. وحصلت هيومن رايتس ووتش على لائحة بأسماء أكثر من 300 معتقل كانوا محتجزين في معسكر الشرف قُبيل نقلهم إلى معسكر العدالة وهم بمعظمهم متهمين بارتكاب جرائم إرهاب.
وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشما أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، "يؤدي الكشف عن وجود سجونٍ سريّةٍ في قلب بغداد يناقض كلياً وعود الحكومة العراقيّة باحترام حكم القانون. ويتعيّن على الحكومة أن تُقفل هذه المواقع وتُخضعها لإدارة النظام القضائي وتُحسِّن ظروف الاعتقال فيها وتحرص على معاقبة كلّ من كانت له يد في ارتاكب أعمال تعذيب".
ورأت هيومن رايتس ووتش إنّه يتعيّن على الحكومة العراقيّة المبادرة فوراً إلى إقفال هذه المواقع أو تنظيم وضعها وفتح أبوابها أمام التفتيش والزيارات.
وفي موقع الاعتقال السرّي داخل معسكر العدالة، يحتجز اللواء 56 حوالى 80 من أصل 280 معتقل، حارماً إياهم فرصة الاتصال بمحاميهم أو ذويهم. كما يُمنع على مفتشي السجون زيارة القسم الخاضع لسيطرة اللواء 56 مما يثير مخاوف من احتمال أن يكون اللواء يُمارس التعذيب بحق المعتقلين. وتفيد مصادر حكوميّة بأنّ جهاز مكافحة الإرهاب مسؤول عن المعتقلين المائتين الآخرين الذين تمّ نقلهم، مع أنّ أمن الموقع القائم في أحياء منطقة الكاظميّة في بغداد يُعهد أصلاً إلى اللواء 56.
وفي أحد المستندات التي حصلت عليها منظمة هيومن رايتس ووتش وعددها الإجمالي ثماني عشرة، كتاب صادر عن مكتب المدعي العام لدى مجلس القضاء الأعلى يطلب فيه من مكتب رئيس الوزراء الإيعاز للمسؤولين لدى موقف معسكر العدالة التوقف عن عرقلة أعمال لجان التفتيش وزيارات ذوي المعتقلين. ويرى الكتاب المؤرّخ في 6 كانون الأوّل/ديسمبر 2010 بأنّ المنع "لا ينطبق مع المعايير الدوليّة أو الإنسانيّة إلاّ في الحالات التي أجازها القانون وبموجب قرار قضائي صادر من محكمة مختصة". وجاء في كتابٍ ثانٍ مؤرخ في 13 كانون الثاني/يناير 2011 وجّهه وزير العدل إلى مكتب القائد العام للقوّات المسلّحة، الذي يتحكم رئيس الوزراء من خلاله بالقوّات الأمنيّة العراقيّة، بأنّه لم يُسمح لفريق التفتيش التابع لوزارة حقوق الإنسان الدخول إلى قسم سجن العدالة من قبل الضابط المسؤول عن اللواء 56.
يقع موقع الاعتقال السرّي ضمن حرم مركز اعتقال قانوني تابع لوزارة العدل في معسكر العدالة المعروف باسم سجن العدالة 2 والذي يضمّ أكثر من 1000 معتقل آخر. ومعسكر العدالة هو الموقع السابق للشعبة الخامسة، أي مكتب الاستخبارات الشهير في خلال حكم صدّام حسين والذي تُعرف عنه ممارسته أعمال التعذيب والاختفاء. وفي هذا السجن أيضاً أُعدم الديكتاتور السابق عام 2006.
أصبح معسكر الشرف الذي نُقل منه المعتقلون محط أنظار وسائل الإعلام بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير بعد ما كشفت صحيفة لوس أنجلس تايمز عن الممارسات التعسفية التي تجري فيه واصفةً ظروف الاعتقال بـ"البائسة". وجاء في المقالة أنّ المعتقلين يُلقَون في زنزانات ضيّقة عديمة التهوئة تفوح منها رائحة البراز.
على ضوء مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش مؤخراً مع أكثر من عشرة معتقلين سابقين في معسكر الشرف، تمكّنت المنظمة من توثيق طريقة توقيف المعتقلين في زنزانات انفراديّة وفي ظروف غير إنسانيّة لمدّة شهور في بعض الأحيان. ووصف المعتقلون بالتفصيل الانتهاكات التي تعرّضوا لها أثناء جلسات الاستجواب بغرض حملهم على الإذعان لاعترافات مزوّرة. وقالوا إنّ المحققين كانوا ينهالون عليهم ضرباً ويُعلّقونهم من أرجلهم في بعض الأحيان ساعات طوال، لا بل يُعرّضون أجزاء عدّة من أبدانهم بما فيها الأعضاء التناسليّة لصواعق كهربائيّة ويُسببون مراراً وتكراراً بخنقهم باستخدام الأكياس البلاستيكيّة يُسقطونها على وجوهم إلى حين إصابتهم بالإغماء.
وفي مقابلات أجرتها هيومن رايتس ووتش في شهر كانون الأوّل/ديسمبر، وصف معتقلون سابقون أعمال التعذيب التي تعرّضوا لها في معسكر الشرف على الشكل الآتي:
قال أحد المعتقلين في إفادة أعطاها بتاريخ 26 كانون الأوّل/ديسمبر، "إنّ الزنزانة كانت مكتظةً إلى درجة أننا تناوبنا على الوقوف والاستلقاء، لا بل كنّا نُحاول أن ندع المسنين أو العائدين من الاستجواب يستلقون، فبعد الاستجواب يكون الوقوف مستحيلاً".
وقال معتقل آخر بتاريخ 18 كانون الأوّل/ديسمبر :"عُصبت عيناي وأُلقيت على الأرض، يداي مكبّلتان خلف ظهري. داس المُحقق على ذراعي وزاد عليهما وزناً حتّى بدأت أصرخ".
وقال معتقل ثالث كان محتجزاً في معسكر الشرف صيف العام 2010، وفي مقابلة أجريت معه بتاريخ 27 كانون الأوّل/ديسمبر: "كانت يداي مكبّلتين فوق رأسي ورجلاي موضوعتين في الماء ثم صعقوني في رأسي وعنقي وصدري. انهال عليّ المحققون ضرباً بصورةٍ متكررةٍ وهددوني باغتصاب شقيقتي إن لم أذعن بالتوقيع على اعتراف فاستسلمت من غير أن أعرف مضمون الاعتراف".
ردّاً على مقالة لوس أنجلس تايمز التي جاء فيها إنّ معسكر الشرف يقع تحت إدارة اللواء 56 وجهاز مكافحة الإرهاب، قال وكيل وزارة العدل الأقدم بوشو ابراهيم لوكالة الصحافة الفرنسيّة بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير إنّ الوزارة وحدها مسؤولة عن إدارة الموقع.
وقال "الموقع تحت مسؤوليّتي وأنا أنفي الاتهامات جملةً وتفصيلاً فجميعها مجرّد أكاذيب. يُسمح لذوي المعتقلين بزيارة أبنائهم أو أزواجهم وباب الزيارة مفتوح أيضاً أمام المحامين بصورة منتظمة. وهذا السجن شبيه بسائر سجون وزارة العدل".
وعاد لينوّه بأنّه "غير صحيح أنّ هذا السجن خاضع لأوامر المالكي بل هو بإدارة وزارة العدل".
ولكنّ المستندات التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش تنقض مزاعم الحكومة التي تُفيد بأنّ معسكر الشرف خاضع لإدارة وزارة العدل. وفي أحد المستندات السريّة المؤرخة في 2 آب/أغسطس 2010، طلب وزير العدل الأقدم السيد دارا نور الدين حصول فريق عمله على إذن من مكتب القائد العام للقوّات المسلّحة نقل المعتقلين من معسكر الشرف مما يؤكِّد على احتكام الوزارة للأوامر بخصوص الموقع.
وفي وثيقة من وزير العدل إلى موظفيه، طلب الأخير تحرير كتابٍ إلى مكتب القائد العام للقوّات المسلّحة يطلب فيه "الإذن بتسليم الموقوفين" إلى الوزارة بهدف نقلهم إلى مكانٍ آخر. ويُشير الكتاب إلى أنّ المسألة أثيرت بعدما اعترف وكيل وزارة العدل ابراهيم، بأنه تبيّن لوزارته عدم إمكانيّة نقل المعتقلين لأسباب تتعلّق بتدخلات خارجيّة من الإدارة وبالأخص من المحققين العسكريين.
وجاء في كتاب آخر يحمل توقيع إبراهيم نفسه بأنّ "الوزارة لا مانع لديها من السماح للمحامين ولذوي الموقوفين بزيارة السجناء في معسكر الشرف وأنّ الإجراءات الأمنيّة المفروضة من وزارة الدفاع/ إدارة موقف اللواء 56 وإدارة موقف جهاز مكافحة الإرهاب بسبب موقع السجن في المنطقة الخضراء هي التي تحول دون ذلك".
وقال ابراهيم ردّاً على مقالة لوس أنجلس تايمز بأنّ اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر قامت بزيارة سجن معسكر الشرف. ولكنّ غرازييلا ليتي بيكولو، المتحدثة باسم اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، أفادت في اتصال أجرته معها منظمة هيومن رايتس ووتش إنّ اللجنة لم تتمكن من زيارة معسكر الشرف لأنّ الحكومة لم تستوفِ شروطها المتعلّقة بزيارة مواقع مماثلة والتي تشمل الكشف على الموقع كاملاً ومخاطبة المعتقلين فيه.
وقالت "جدير بالذكر أننّا حتّى لو تمكّنا من إجراء الزيارة، فالزيارة وحدها ليست شهادة مصادقة بل هي حلقة من سلسة متكاملة". وقالت مصادر حكوميّة لـ هيومن رايتس ووتش إنّ السلطات منعت وزارة حقوق الإنسان من القيام بعمليّات تفتيش للسجون في معسكر الشرف لمدّة أكثر من سنة.
وأفادت العديد من المصادر الحكوميّة بأنّه على الرغم من أنّ اللواء 56 وشقيقه اللواء 54 يخضعان تقنيّاً لسلطة وزارة الدفاع إلاّ أنّ قيادتهما تتجاوز الوزارة. فهما غير مسؤولين أمام وزارة الدفاع أو رئيس هيئة أركان الجيش بل أمام المالكي من خلال مكتب القائد العام للقوّات المسلّحة. ويتحكّم رئيس الوزراء بواسطة هذا المكتب أيضاً بجهاز مكافحة الإرهاب الذي لا يخضع لسلطة أي وزارة أو لأحكام أي تشريع. ويعمل جهاز مكافحة الإرهاب عن كثب مع القوّات الأمريكيّة الخاصة.
وأفاد ضباط ومسؤولون عسكريّون من وزارتي الدفاع والداخليّة لـ هيومن رايتس ووتش بأنّ اللواء 56 وجهاز مكافحة الإرهاب يقومان بصورة روتينيّة بعمليّات التوقيف والاعتقال الجماعيّة من دون تبليغ الوزارات المعنيّة بشؤون الأمن. وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخليّة لـ هيومن رايتس ووتش بتاريخ 18 كانون الأوّل/ديسمبر، إنّ هذه الوحدات "تُسبب مغالطات وتولّد بيئة خطيرةً حيث تقوم وحدات خاصة تتمتع بنفوذ مستقل بالدخول عنوةً واعتقال المواطنين". وقال المسؤول إنّ القوّات الأمنيّة النظاميّة كانت تخاف قوّات النخبة هذه.
وقال مسؤول آخر في وزارة الدفاع لـ هيومن رايتس ووتش بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير إنّه خلافاً للممارسات المتعارف عليها والتي تقوم فيها قوّات الأمن بإيداع المعتقلين نظام السجن الأساسي، غالباً ما يرفض اللواءان 56 و54 تسليم معتقليهم.
قال "لا يُسمح للعائلات أو المحامين زيارتهم لا بل يستحيل عليهم في بعض الأحيان معرفة إذا كانوا أحياءً أو أمواتاً".
وفي مقابلة أجراها مسؤولون من وزارة الدفاع مع هيومن رايتس ووتش، أفاد هؤلاء عن وجود تعاونٍ وثيقٍ بين اللوائين 56 و54 اللذين يُشير إليهما الجيش والشرطة "بقوّات المالكي". وغالباً ما يُنقل السجناء الموقوفون والمعتقلون أساساً في السجن الخاضع لسلطة اللواء الأوّل إلى السجن الخاضع لإمرة اللواء الثاني.
وقال مسؤول في وزارة الداخليّة لـ هيومن رايتس ووتش بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير إنّ "المواطنين يحضرون إلى مراكز الشرطة أو السجون بحثاً عن أفراد أسرتهم الذين تعرّضوا للاعتقال. فإذا اكتشفنا بأنّ قوّات المالكي أوقفتهم، لا نحصل على معلوماتٍ بشأنهم ولا نتمتّع بصلاحيّة التدخل في هذا الخصوص".
وفي السنة الماضية، عثرت وزارة حقوق الإنسان على سجنٍ سرّي بإدارة اللواء 54 يُساعده اللواء 56 في مطار مثنّى القديم الواقع غرب بغداد. وفي شهر نيسان/ابريل، أجرت هيومن رايتس واتش مقابلةً مع 42 معتقل كانوا قد تعرّضوا للتعذيب في هذا الموقع لمدّة شهور. واحتُجز في السجن السرّي حوالى 430 معتقل لا اتصال لهم بعوائلهم أو محاميهم. وقال المعتقلون إنّ القوّات الأمنيّة انهالت عليهم ضرباً وسوطاً وركلاً وخنقاً وعرّضتهم للصعق بالتيار الكهربائي وأحرقتهم بواسطة السجائر ونزعت عنهم أظافرهم وأسنانهم. وقال بعض الشباب إنّه أُجبر على إمتاع المحققين والحرس بالجنس الفموي وأنّ المحققين أجبروهم على التحرّش جنسيّاً بغيرهم من المعتقلين.
وجاء في برقيّة للسفارة الأمريكيّة اطّلعت عليها لوس أنجلس تايمز إنّ محققي اللواء 56 أُرسلوا إلى المثنى من معسكر الشرف. وجاء في برقية منفصلة إنّ اللواء "يرفع التقارير مباشرةً إلى مكتب رئيس الوزراء".
وكان المالكي قد وصف آنذاك سجن المثنى بأنّه محطة عبور خاضعة لسيطرة وزارة الدفاع.
ولكنّ مسؤولاً رفيع المستوى في وزارة الدفاع نأى بوزارته عن الاتهامات بارتكاب جرائم تعذيب في المثنى. وفي رسالة سريّة أبرقت إلى وزارة حقوق الإنسان بتاريخ 3 أيار/مايو 2010 واطّلعت عليها هيومن رايتس ووتش، كتب صالح سرحان، أمين السرّ العام لوزارة الدفاع: "لا علاقة لوزارتنا باللجان التحقيقيّة العسكرية ولا بمركز احتجاز سور نينوى [المثنى] كونها مرتبطة بمكتب القائد العام للقوّات المسلّحة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق