تماثل مأساة المفرج عنهم من العراقيين من السجون الأميركية مأساة كبار السن في هذا البلد ممن لم يعد لهم من يرعاهم، فكلا الشريحتين تعيش حياة من التهميش والنبذ لا تترك لها مجالا كبيرا في التفكير بمستقبل أفضل.
تقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن المفرج عنهم من السجون الأميركية لا يستقبلون بكثير من الحفاوة، فغالبية الأسر التي يعودون إليها تكون منهكة بالديون بسبب العيش لأشهر من دون معيل والمسلحون ينظرون إليهم كمجندين محتملين أو كعملاء للأميركيين.
أما جيرانهم وأصدقاؤهم القدامى وحتى أقاربهم فإنهم يرفضون مصافحتهم في الملأ توجسا من خلفياتهم أو خوفا من أن يؤدي الحديث إليهم لدقائق إلى الاعتقال –عبر التجريم بالتبعية- من طرف السلطات العراقية التي غالبا ما تعيد اعتقال المفرج عنهم.
في احد ايام شهر شباط المبكرة ، وبعد قضاء سنة ونصف في عدة سجون ومعتقلات اميركية ، فان الرقم 318360 اعطي رسالة الى امه باللغة العربية ومختومة بختم وزارة الدفاع الاميركية جاء فيها :" نهنئكم باطلاق سراح ولدكم، فقد تم مراجعة قضيته واتخذ القرار بانه يحتاج لاطلاق سراحه ". ومع مبلغ 25 دولارا وملابس مدنية جديدة ، فان المحتجز (علاء خيرالله) – 27 سنة اعيد الى الشارع في بغداد، وهو احد 90 الف محتجز ممن اطلق سراحهم من المعتقلات الاميركية، خلال السنوات الستة الماضية، بالرغم من بقاء 10 الاف محتجز اخر لحد الان .
وتزيد حدة جميع هذه العوامل عندما يكتشف هؤلاء الرجال أنهم لن يحصلوا على أعمال مشروعة بسبب انعدام الثقة فيهم وبسبب وحشية سوق العمل العراقية في الوقت الراهن وفي بلد يجد فيه الشخص وسائل (( دامية )) لكسب المال.
يقول عبد الله حسن جابر الذي قرأ رواية " البؤساء " في سجن بوكا الاميركي الاكبر في العراق، الذي قضى فيه 15 شهرا :" انه مثل جان فالجان تماما ، الشاب البريء الذي القي في السجن، وخسر عمله، وعانت عائلته من الجوع ورفضوا اعطاءه عملا بعد خروجه، وبالطبع فهو سيسلك الطريق الخاطىء ". ويعمل جابر الان في مركز لاعادة التاهيل في مدينة الصدر اقيم من قبل المسؤولين الاميركيين والشيوخ المحليين باموال من الوكالة الاميركية للتطوير الدولي، ويوفر المركز مراتب تجارية وجلسات استشارية.
ويقول العديد من هؤلاء الذين يعملون في المركز، بحسب صحيفة النيويورك تايمز، بانهم يلازمونه فقط على احتمال بان المنح التي يحصلون عليها سوف تستمر في النهاية . وقد انتهت الدورات في شهر ايار، والمحتجزين اللاحقين الذين وصلوا الخميس الماضي، قالوا بانهم لازالوا لم يتسلموا اية منحة من المال، وقالوا بان المهارة بلا فائدة بدون الحصول على العمل . وخيرالله الذي يعيل زوجة واربعة اطفال، كان شرطيا حينما اعتقل هو وثلاثة من اخوته في سنة 2007 ، ليس كثيرا بعد مقتل ابيه واثنين من اخوته من قبل ميليشيا جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر. ولم يكن متيسرا عودته الى عمله القديم بعد اطلاق سراحه، هو والعديد من المحتجزين، قالوا بان الشرطة اخبرتهم بانهم محضور عليهم قانونا الحصول على عمل في القوى الامنية بعد 18 شهرا من اطلاق سراحهم، ولكن فترة الانتظار يمكن التحايل عليها بتقديم رشوة كبيرة.
وقال خيرالله بانه لايستطيع دفع هذا المبلغ بالاضافة الى الديون الكبيرة المتراكمة عليه . وقال :" ادركت بان هذه هي حياتي، وسأتجنب العالم ". واستنادا الى العديد من المسؤوليين العدليين العراقيين الكبار، فلا وجود لمثل هذه القواعد . وقال اسعد مكي غناوي وهو مسؤول في مجالس الاسناد وهو جالس في مكتبه في حي جميلة، بانها فقط قضية شهور قبل ان يعود المحتجزون الى العمل مع الميليشيات .
وقال غناوي مشيرا الى احد الرجال امامه :" انه مهندس ولايستطيع الحصول على عمل في أي مكان، وكأنما يبدو انهم يجبرونه للقيام باي عمل سيء ". وبالرغم من ان المسؤولين العراقيين يلومون غالبا المحتجزين المطلق سراحهم بانهم وراء الهجمات ، وهو امر بدون حقائق ، كما يقول الجنرال ديفيد غوانتوك قائد قوة المهمات 134 ، وهي الوحدة الاميركية التي تدير امور الاحتجاز في العراق. وهناك احصاءات مؤكدة حول النزاع للعودة الى الاجرام وهي محتملة الحصول ، وسبب ذلك هو ان نظام السجون العراقية الكبيرة ليس فيه قاعدة معلومات مركزية. ومن بين 9286 محتجزا من قبل الاميركيين في سنة 2008 ، كان اقل من اثنين بالمائة في السجون الاميركية في السابق.
وفي السنوات الاولى للحرب، كان العديد من المحتجزين من الناس البسطاء الذين كانوا في المكان الخاطىء وفي الوقت الخاطىء ، كما قال الجنرال غنتوك في شهر حزيران الماضي. وفي منتصف سنة 2007 ، فقد كان من الاكثر احتمالا بان المحتجزين المفترضين، كانوا بالنتيجة من الاقل خطرا وعلى سبيل المثال فان احدهم كان يدفع له ليكون حارسا لاحد المتمردين . وبالرغم من اطلاق عدد من الشخصيات الشيعية العالية المستوى مؤخرا من المجموعات المسلحة ، كاشارة الى المصالحة، فان معظم هؤلاء الذين اطلق سراحهم يعتبرون من مصادر التهديد الضعيفة، كما قال الجنرال غنتوك، والعديد ممن اصبحوا ضالعين مع الميليشيات بسهولة لانه كان هناك القليل من الخيارات امامهم في وقت اعتقالهم . ولكن تضاؤل التمرد لايعني ، بان فرص السلام قد زادت .
وتنقل الصحيفة عن المعتقل السابق لدى الأميركيين عبد الحسن جابر قوله إن ما يحدث هو أن ((إنسانا بريئا يجد نفسه في السجن ويفقد عمله وتتعرض أسرته للفاقة ثم يرفضون منحه عملا عندما يطلق سراحه.. طبعا سينحرف)).
وينطبق هذا الوصف على الكثير من التسعين ألف معتقل عراقي الذين أفرجت عنهم السلطات الأميركية في السنوات الست الماضية، فغالبيتهم يواجهون وضعا صعبا للغاية.
ليس كبار السن أفضل حالا، ففيما اعتاد هؤلاء على رعاية أقاربهم لهم في السابق وجدوا أنفسهم اليوم هائمين في الشوارع أو منسيين في دور العجزة، حسب ما ذكرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
ويقول هادي حامد الطائي -وهو مدير إحدى دور رعاية المسنين- إن هذه الظاهرة جديدة على العراق، ويضيف أن أهالي هؤلاء العجزة لم يكونوا ليتركوهم في تلك الدور لولا ما تمخض عنه الاحتلال الأميركي من عنف ومصاعب اقتصادية.
ويضيف أن الإسلام يحرم التخلي عن الوالدين، بل يحث على العناية بهما ومعاملتهما برفق, مشيرا إلى أنه لم يكن في العراق في العام 2003 سوى دارين للعجزة في بغداد, أما اليوم فهناك عدد اكبر منها في بغداد وفي مدن الجنوب العراقي كذلك.
وفي تقريرها تسرد الصحيفة قصص عدد من هؤلاء العجزة، وتستطرد معهم أيام شبابهم أو ما يتذكرون منها وكيف انتهى بهم الأمر إلى مثل هذه الدور، وكل قصة يحكونها تلخص جزءا من المأساة التي يمر بها العراق منذ سنوات .
مدونة متخصصة بوضع السجناء والمعتقلين العراقيين ومراقبة أنتهاك حقوقهم , ونشر آخر ألاخبار والتحليلات والمتابعات والكتابات والبحوث المتخصصة بأنتهاك حقوقهم
الاثنين، 10 أغسطس 2009
الخارجون من السجون الاميركية (مريبون) واصدقاؤهم (ينبذونهم)!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق