كشفت وثائق أمريكية رفعت عنها السرية صورة فظيعة لما يجري في السجون السرية الأمريكية، أو ما بات يعرف ب “المواقع السوداء”، من انتهاكات بمشاركة مرتزقة من شركات أمنية خاصة، مثل الإغراق والتهديد باللجوء إلى عمليات إعدام وهمية، وباستخدام مثقاب كهربائي ومسدس غير ملقم، والتهديد بقتل أطفال المشتبه واغتصاب والدته، وذلك تحت ستار محاربة “الإرهاب”، تحولت خلالها “سي آي إيه” من جهاز مخابرات إلى جامعة للتعذيب.
فقد ظهرت تفاصيل أولى عن كيفية قضاء أهم المعتقلين المشتبه في ضلوعهم في “الإرهاب” أيامهم داخل السجون السرية التي كانت تديرها وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) خارج الولايات المتحدة، وذلك من خلال عشرات الوثائق التي رفعت عنها السرية ونشرت هذا الأسبوع. والصورة التي خرجت من تلك الوثائق فظيعة
. فمن بين الأساليب المتبعة إجبار المعتقل على الوقوف وهو شبه عار ويداه مقيدتان بحيث يحرم من النوم أياما، وإذا لم ينجح ذلك في كسر إرادته، كانت تستخدم معه أساليب أخرى للتحقيق.
وكانت تلك “المواقع السوداء” تدار بهدف واحد وهو الحصول على معلومات قيمة من عدد من أهم المعتقلين المشتبه في ضلوعهم في “الإرهاب”، وكانت توجد نظرية واضحة حول كيفية القيام بذلك.
وكتب ستيفن برادبيري الذي كان مدعيا عاما بارزا في مكتب الاستشارات القانونية المكلف إسداء النصائح القانونية للرئيس أن “فعالية البرنامج تعتمد على إقناع المعتقل في مراحل مبكرة من تطبيق هذه الطرق بان مصيره يتوقف على المحققين وأنه لا يسيطر على وضعه”.
وتعتبر تلك المذكرة الصادرة في عام 2007 جزءا من سجل يصف عملية وضع ذلك البرنامج الذي وضعته إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في أعقاب هجمات 11 ايلول/ سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.
وتشتمل تلك المذكرة على صياغة ما يسمى بطرق الاستجواب المشددة التي يمكن تطبيقها بصرامة متزايدة كلما استمر المعتقل في رفض الإدلاء بمعلومات.
وقد منح المحققون، وبعضهم من شركات أمنية خاصة وآخرون من رجال السي اي ايه، تصريحا بصفع المعتقلين واجبارهم على الجلوس في أوضاع غير مريحة وحرمانهم من النوم 11 يوما متواصلة. وإذا لم ينجح ذلك، فيمكن ربط أعناقهم بطوق وسلسلة تستخدم لضرب المشتبه فيهم في الحائط بشكل متكرر.
وقد يلجأ المحققون إلى إجبار المشتبه فيه على الدخول في صندوق معتم وتركه 18 ساعة، وإذا تطلب الأمر زيادة الضغط، فيمكن إدخال بعض الحشرات إلى الصندوق.
وفي حال لم ينجح كل ذلك، كان المحققون يلجأون إلى طريقة الإغراق التي تقضي بتثبيت المشتبه فيه على كرسي بحيث يوضع قدماه أعلى من رأسه، ثم تثبت قطعة من القماش بإحكام على فمه وانفه وبعد ذلك يتم صب الماء على وجهه.
وجاء في تقرير المفتش العام للسي اي ايه لعام 2004 انه أثناء عملية الإغراق “يتم منع المعتقل من التنفس لمدة 20 إلى 40 ثانية ويخلق هذا الأسلوب إحساسا بالغرق والاختناق”.
وبعد أن يسمح للمشتبه فيه بأخذ “نفسين أو ثلاثة” تستأنف عملية الإغراق ويتواصل الأمر لمدة قد تصل إلى 20 دقيقة، طبقا للتقرير.
وحتى مع السماح لهم باستخدام هذه الأساليب إلا أن المحققين خرجوا حتى عن هذه القواعد بحسب التقرير.
فقد حدثت انتهاكات لقواعد استخدام طريقة الإغراق التي طبقت على الأقل على ثلاثة من المشتبه في انتمائهم للقاعدة ومن بينهم خالد شيخ محمد مهندس هجمات سبتمبر.
فبدلا من استخدام كميات صغيرة من الماء، قام المحققون بصب كميات كبيرة من الماء على معتقلين مثل خالد شيخ محمد الذي استخدمت معه طريقة الاغراق 183 مرة.
وقال التقرير إنه بين ايلول/ سبتمبر 2001 وتشرين الأول/ أكتوبر 2003 هدد المحققون المعتقلين باللجوء إلى عمليات إعدام وهمية، وباستخدام مثقاب كهربائي ومسدس غير ملقم.
وهدد المحققون بقتل أطفال خالد شيخ محمد والمحوا إلى أنهم يمكن أن يغتصبوا والدته، كما قاموا بتمرير فرشاة قاسية على جسد احد المعتقلين، وقاموا بخنق آخر حتى بدأ يغيب عن الوعي.
وخشي عدد المحققين من عواقب استخدامهم لهذه الأساليب حيث قال احد ضباط السي أي ايه في تحقيق أجراه المفتش العام انه يخشى إدراجه على “قائمة المطلوبين” ومحاكمته بارتكاب جرائم حرب أمام محكمة دولية.
وخلص تقرير عام 2004 إلى انه “لا شك في أن البرنامج كان فعالا”. وقد أمر الرئيس الأمريكي باراك اوباما عند تسلمه منصبه بإغلاق تلك السجون وفتح تحقيق في استخدام الأساليب المذكورة. وسينظر التحقيق فيما إذا كان استخدام أساليب غير مصرح بها من قبل محققين منفردين غير قانوني، إلا انه لن يحقق فيما إذا كان استخدام أساليب مصرح بها ينتهك القانون الأمريكي أو الدولي