تتضمن الاتفاقات والمعاهدات الدولية والاقليمية لحقوق الانسان نصوصا تجيز تقييد ممارسة بعض الحقوق والحريات العامة لمواجهة ظروف أستثنائية تهدد السيادة السلامة الوطنية وطبق قانون الطوارئ في دول كثيرة ولكن الامر تطور جذريا بعد أحداث 11 سبتمبر فشمل دولا كانت تعتبر نفسها قلعة الديمقراطية وحصن حقوق الانسان تنص المادة الرابعة فقرة أولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه (( يجوز للدول الاطراف في هذه الاتفاقية في حالة الطوارئ العامة التي تهدد حياة الامة والتي يعلن عن وجودها رسميا أن تتخذ الاجراءات ما يحلها من ألتزاماتها التي نصت عليها الاتفاقية تبعا لمقتضيات الوضع بدقة بشرط أن لاتتنافى هذه الاجراءات مع ألتزاماتها الاخرى طبقا للقانون الدولي ومن دون أن تتضمن هذه الاجراءات تمييزا معينا على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الديانة أو اللغة أو الاصل الاجتماعي .
وتضيف الفقرة الثانية من هذه المادة أنه لايجوز التحلل من الالتزامات التي نصت عليها المواد 6 و 7 و8 و 11 و15 و16 و18 وهي تدور حول الحقوق الاساسية التالية :
((الحق في الحياة ,الحق في الشخصية القانونية ,حظر التعذيب والاسترقاق ,حرية الفكر, حرية العقيدة والدين ,حظر الحبس للاخلال بألتزام تعاقدي ,عدم رجعية النصوص القانونية )).
ويشترط في الظرف الاستثنائي الذي يسوغ الخروج على بعض الالتزامات الواردة في صكوك حقوق الانسان أن يكون منطويا على تهديد لاستمرار الحياة العادية وأيقاعها المنتظم الذي تتكون منه الدولة .وعلى ذلك تندرج في إطار الظرف الاستثنائي وفقا لما أصطلح عليه الفقه الدولي الحروب, الازمات السياسية الخطيرة وتشمل أعمال العنف والاضطرابا ت الداخلية الخطيرة والارهاب وأعمال التخريب الداخلي والكوارث الطبيعية أن إعمال رخصة الظرف الاستثنائي الذي يشكل تهديدا لحياة الامة جسيما وأن يتم الاعلان عن توفر الظرف الاستثنائي وإخطار المجتمع الدولي به وأن يراعي فيه عدم المساس بالحقوق الاساسية للانسان ومبدأ تناسب التدابير الاستثنائية مع جسامة التهديد ومقتضيات الدفاع عن المصلحة العليا للجماعة مع مراعاة عدم التمييز ومعاملة جميع الافراد على أساس المساواة دون التمييز ومراعاة كذلك عدم التعارض مع أحترام الالتزامات الدولية سواء كان مصدر هذه الالتزامات أتفاقية دولية أو قواعد عرفية دولية
في العراق وبعد الاحتلال الامريكي(( ونظرا للظروف الامنية الخطيرة والتداعيات العصيبة التي ما برحت تعصف بالعراق في هذه المرحلة وضرور التصدي الحازم للارهابيين والعابثين بالقانون , وأنطلاقا من ألتزام الحكومة المؤقنة بحماية حق المواطن في الحياة الحرة الكريمة وضمان حقوقه الاساسية والمدنية واللاتزام بتهيئة الاجواء الامنية المناسبة لاجراء أنتخابات حرة ديمقراطية كما يمليه قانون أدارة الدولة الانتقالية وتدعيما لسيادة دولة القانون ولاستقلالية القضاء وفاعليته ورقابته ومنعا للتعسف في أستخدام القوة في الظروف الاستثنائية ))صدر أمر السلامة الوطني رقم (1) لسنة 2004 وتضمن اعلان حالة الطوارئ من قبل رئيس الوزراء بعد موافقة هيئة الرئاسة ويتضمن بيان حالة الطوارئ وأسبابها وتحديد المنطقة التي تشملها وخول الامر رئيس الوزراء سلطات أستثنائية في حالة الطوارئ منها وضع قيود على حرية المواطنين والاجانب في العراق وفرض حظر التجول وعزل المناطق التي تشهد تهديدا خطيرا للامن وتفتيشها وفرض قيود على الاموال وعلى حيازة الاشياء الممنوعة ووضع الحجز الاحتياطي على أموال المتهمين بالتآمر والعصيان و التمرد وعمليات الاغتيال والتفجير وأتخاذ اجراءات أحترازية على كافة أنواع وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وفرض قيود على على وسائل النقل والمواصلات البرية والجوية والمائية وفرض قيود على المحال العامة والتجارية والنوادي والنقابات والشركات والمؤسسات والدوائر وتحديد مواعيد فتحها وأغلاقها ومراقبة أعمالها ووضع الحراسة عليها بعد استحصال قرار قضائي وأتخاذ إجراءات وقرارات عسكرية وأمنية سريعة تكون محدودة ومناسبة في المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ
وأيضا أعطى صلاحية بالاستعانة بالقوات متعددة الجنسية وأوجب الامر عرض القرارات والاوامر التي تصدر بحجز وتوقيف الاشخاص والاموال على قاضي التحقيق وأن يمثل المتهم خلال أربع وعشرين ساعة على القاضي وحدد ايضا عقوبة الحبس ولثلاث سنوات وغرامة ثلاث ملايين دينار لكل من يخالف الاوامر والتعليمات الصادرة من رئيس الوزراء واوجب الامر على هيئة الرئاسة المصادقة على القرارات والاجراءات الاستثنائية وللجمعية الوطنية الاستشارية الحق بمراقبة تنفيذ هذه الاجراءات وكذلك تخضع قرارات وإجراءات رئيس الوزراء لرقابة محكمة التمييز والمحكمة الاتحادية العليا ولهذه المحاكم الحق بألغاء تلك القرارات والاجراءات وتقرير بطلانها وعدم مشروعيتها أو أقرارها مع مراعاة الظروف الاستثنائية ولم يعطى امر السلامة لريئس الوزراء أي صلاحية قانونية لفرض عقوبات جزائية أو تعطيل أوألغاء قانو ن أدارة الدولة ورغم بعض المآخذ القانونية على أمر السلامة الوطنية ومنها عدم وجود رابط قانوني مثلا المادة 3 –سادسا بفرض قيود على النقابات والجمعيات والمؤسسات والدوائر في حالة صلتها بالجرائم المذكورة في المادة (7) الفقرة أولا وهي جرائم القتل والاغتصاب والخطف والتخريب والتفجير واتلاف الاموال العامة والخاصة وحيازة الاسلحة الحربية وعتادها وصنعها والمتاجرة بها وتهريبها والمعروف أن النقابات والجمعيات والمؤسسات هي شخص معنوي لايعقل ارتكابه لجريمة قتل واذا كان ارتكبها احد الاعضاء لماذا يعاقب الشخص المعنوي وتوقف أرصدته ويعطل نشاطه وقد أستغلت هذه المادة لوقف أرصدة كافة النقابات والاتحادات والجمعيات الانسانية ومنظمات المجتمع المدني بقرار رئيس الوزراء المرقم 8750 سنة 2005 ولازال ساري المفعول مما عطل نشاطات هذه المنظمات لفترة طويلة دون أن تقوم أي منها بأي مخالفة قانونية واذا قامت أحد هذه الجهات بعمل مخالف للقانون ما ذنب البقية بالحجز على أرصدتها
ورغم ذلك فأن أمر السلامة الوطنية تضمن ضمانات قانونية مقبولة لمراقبة قرارات واجراءات رئيس الوزراء سواء من قبل هيئة الرئاسة أو الجمعية الوطنية أو القضاء في حين جاء الدستور خاليا من بيان هذه الضمانات
ففي المادة (58 ) تاسعا خول مجلس النواب أعلان حالة الطوارئ بأغلبية الثلثين بناء على طلب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتعلن لمدة ثلاثين يوما قابلة للتمديد ويخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيا ت اللازمة التي تمكنه من أدارة شؤون البلاد خلال مدة أعلان حالة الطوارئ ويعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب الاجراءات المتخذة والنتائج وفي الفقرة –ج- ذكرت أن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء تنظم بقانون بما لايتعارض مع الدستور وجاءت هذه الفقرة مقتضبة ولم تخبرنا أي من احكام الدستور التي يجب ان لاتعارضها الصلاحيات ولم يشير الى الاتفاقات الدولية والاقليمية ولا أي من صكوك حقوق الانسان ولم يشير الى الجهات التي تمارس الرقابة على قرارات وأجراءات رئيس الوزراء وأي من الجهات سواء مجلس النواب أو القضاء لها صلاحية الالغاء والتعديل والاقرار
وبما أنه لم يصدر لحد الان قانون ينظم هذه الصلاحيات وهذا فراغ تشريعي كان على مجلس النواب تلافيه وأصدار تشريع ينظم هذه الصلاحيات بدلا من يرجع الى تطبيق أمر السلامة الوطنية رقم (1) لسنة 2004 حيث أن بعض فقراته لاتتطابق مع الاحكام الدستورية التي تنظم حالة الطوارئ منها مثلا أن مدة حالة الطوارئ في الدستور ثلاثين يوما ومدته في أمر السلامة الوطنية ستين يوم وكذلك الجهة التي توافق على على أعلان حالة الطوارئ بالاضافة الى تغير الجهات التشريعية بعد أصدار الدستور وصعوبة الوضع الامني الذي تردى كثيرا بعد تاريخ اصدار امر السلامة الوطنية وخلق تحديات جديدة بحاجة التي تشريع يواجه هذه التحديات ولكن بما لايؤدي الى الفقد الواسع لحقوق الانسان الاساسية ومنها حقه في الحياة ويحافظ على الحقوق الاساسية التي وردت في الدستور وأن لايترك أجراءات رئيس الوزراء بلا رقيب يحدد صلاحياته ويوقف القرارات التي تخرق الحقوق الاساسية للانسان الواردة في الدستور وأن لايجمد الحياة السياسية والاعلامية وعمل منظمات المجتمع المدني بدعوى حالة الطوارئ وأن يوقف حالة الخروقات الكبيرة التي تحدث حاليا لحقوق الانسان من قبل الاجهزة الامنية التي تعمل دون أي مراقبة أو محاسبة قانونية وأن يكون أعلان حالة الطوارئ فقط في المناطق المضطربة أمنيا ولاتفرض على المناطق التي لاتعاني أي أضطراب كي لاتصبح الحياة متوقفة في البلد بدون مسوغ ولكي لاتبقى سياسة حالة الطوارئ أمر محتم ويستمر لمدد غير محددة تلقى بظلالها على مجمل الحياة في العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق