الخميس، 17 مايو 2012

العراق يشهد اعتقالات جماعية بمعزل عن العالم الخارجي


سجن معسكر الشرف (كامب أونور
السجن سيئ السمعة ما زال مفتوحاً بعد إعلان الحكومة عن إغلاقه

معسكر الشرف (كامب أونور) هو قاعدة عسكرية تضم أكثر من مبنى داخل المنطقة الدولية الحصينة ببغداد، التي يواصل العراقيون وآخرون غيرهم الإشارة إليها باسم "المنطقة الخضراء". اللواء الـ 56 من الجيش العراقي، المعروف أيضا بلواء بغداد، والذي يخضع مباشرة لإشراف مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هذا اللواء يسيطر على مجمع معسكر الشرف وهو مسئول عن أمن المنطقة الخضراء
في 29 مارس/آذار 2011، قال وزير العدل حسن الشمري لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة أغلقت منشأة الاعتقال الرئيسية بالمعسكر، سجن معسكر الشرف (يشار إليه في الغالب ببساطة باسم "معسكر الشرف"). قال الشمري إن السلطات نقلت كل المعتقلين، الذين زُعم أنهم إرهابيين ومسلحين إسلاميين، إلى ثلاث منشآت تخضع لسيطرة وزارته.
وعلى النقيض من تطميناته، فإن هيومن رايتس ووتش تلقت معلومات من مسئولين حكوميين وأمنيين تشير إلى أن بعض المعتقلين من حملات الاعتقال "البعثية" والخاصة بالقمة، محتجزين في سجن معسكر الشرف وأنه مازال يستخدم على الأقل كموقع مؤقت للاحتجاز، أو كمكان لانتزاع الاعترافات قبل نقل المعتقلين إلى نظام السجون الرسمي. هذا الاستخدام للسجون العسكرية التي تقع خارج سيطرة وزارة العدل يأمر تكرر في منشآت أخرى معروفة بأنها خارج سيطرة الوزارة، مثل سجن مطار المثنى ومنشأة في غربي بغداد يديرها لواء مثنى العسكري، وكلا المنشأتين استضافتا المئات من المعتقلين ضمن الاعتقالات الأخيرة، بحسب ما ذكره مسئولون حكوميون ومعتقلون سابقون.
وقال مسئول أمني من وزارة الدفاع لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان إن المحققين القضائيين الملحقين بمجلس القضاء الأعلى، يزورون سجن معسكر الشرف على نحو منتظم، حيث يشاركون في التحقيقات والاستجوابات، جنبا إلى جنب مع المحققين العسكريين من اللواء الـ56. وأكد محام يعمل لدى الحكومة لكنه لم يشأ أن يكشف عن القسم الذي يعمل به، أكد هذا الادعاء في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان.


هناك ثلاثة محتجزين سابقين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان، وقدموا روايات ذات مصداقية عما قالوا إنها تعاملاتهم مع المحققين في سجن معسكر الشرف. وهذه الادعاءات متفقة مع إجراءات قضائية معروف أنها حدثت هناك في السابق. وقال أحد المعتقلين لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان إنه تم احتجازه على مدار شهر في سجن معسكر الشرف، من نهاية أكتوبر/تشرين الأول إلى مطلع ديسمبر/كانون الأول.
وفي مقابلة أخرى في مارس/آذار، قال محتجز آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض للاعتقال في بغداد أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، وتم اقتياده إلى سجن داخل المنطقة الخضراء، حيث أخبره الحراس ومعتقلون آخرون بأنه سجن معسكر الشرف. وكان الوصف والرسم الذي قدمه عن تصميم الزنازين وحجرات التحقيق يتفق مع التصميم المعروف للسجن.
وقال معتقل آخر في أوائل ديسمبر/كانون الأول إنه كان بمقدوره التأكد من أنه في سجن معسكر الشرف في مايو/أيار 2011، من خلال تعرفه على المباني المحيطة المعروفة له. وقال إنه عندما تم نقله من منشأة الاحتجاز الرئيسية، إلى أماكن استجواب متاخمة، لإخضاعه لاستجواب عنيف في ثلاث مناسبات مختلفة، لم يكن معصوب العينين. وقال: "وزارة الدفاع ومقر مجلس الوزراء القديم هنا تماما.. إنني رجل عسكري سابق، واعتدت العمل قريبا جدا من هنا، لذا فقد عرفت تماما أين كنت".
وفي يوليو/تموز، حصلت هيومن رايتس ووتش على نسخة من خطاب مؤرخ في 22 مايو/أيار 2011، كتبته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ورد فيه أن اللجنة "جمعت ادعاءات قابلة للتصديق" عن منشأتي احتجاز سريتين منفصلتين ملحقتين بقاعدة معسكر الشرف العسكرية، علاوة على منشأة أخرى بجوار مقر جهاز مكافحة الإرهاب، وأيضا المنطقة الخضراء "تستخدم حتى هذا اليوم لاحتجاز وإخفاء معتقلين عندما تزور اللجنة السجن الرئيسي".
وفي الخطاب، وثقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضا وسائل التعذيب المستخدمة داخل سجن معسكر الشرف والمنشآت التابعة له، وجاءت متطابقة مع وسائل تعذيب تحدثت عنها هيومن رايتس ووتش سابقا. وجهت اللجنة الخطاب لرئيس الوزراء المالكي وأرسلت نسخا منه إلى فاروق العراجي، رئيس المكتب العسكري للمالكي، واللواء محمود الخراجي، قائد اللواء 56، ومسئولين آخرين بوزارة الدفاع، ووزير العدل الشمري، والقاضي مدحت المحمود، رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وبعد أن كشفت صحيفة لوس أنجلس تايمز عن وجود الخطاب في 14 يوليو/تموز، أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيانا ترفض فيه تأكيد أو نفي مصداقيته، تماشيا مع سياسة طويلة الأمد بقصر اتصالاتها على مسئولي الحكومات المعنية. وفي يوليو/تموز وأغسطس/آب، أكد مسئولان بالحكومة العراقية ومسئول سابق اطلع على الخطاب، لـ هيومن رايتس ووتش، على وجود الخطاب.


وقال محاميان لـ هيومن رايتس ووتش في روايتين منفصلتين في مايو/أيار، إن عملاء لديهم، تعرضوا للاعتقال في سجن معسكر الشرف لفترة قريبة تعود إلى أغسطس/آب 2011. وقال محام آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه بينما كان يعمل في مجلس القضاء الأعلى على مدار العام الماضي، صادف إشارات متكررة في تعليقات لقضاة وآخرين، وكذلك في أوراق المحاكم، تشير إلى سجناء يتم احتجازهم في سجن معسكر الشرف وفي "سجنين آخرين في المنطقة الخضراء يديرهما أيضا اللواء 56". وأبلغ أيضا أربعة مسئولين من وزارتي الدفاع والعدل، فضلا عن المسئولين السابقين، أبلغوا هيومن رايتس ووتش بوجود هذه السجون السرية، وواحد منها أيضا جزء من مجمع معسكر الشرف، يعرف بشكل غير رسمي بـ"الخمس نجوم" وآخر خارج القاعدة، لكنه ضمن المنطقة الخضراء.


معاملة المعتقلين


تفاوتت البيانات التي تلقتها هيومن رايتس ووتش من هؤلاء الذين تم أسرهم في المداهمات وتعرضوا للاحتجاز في سجون عدة، بما فيها السجون التي تديرها وزارة العدل، تفاوتت في وصف المعاملة التي تلقاها السجناء. البعض منهم قالوا إنهم لم يتعرضوا لسوء معاملة بدنية. وقال ثلاثة أشخاص احتجزوا في أثناء حملة الاعتقالات الخاصة بـ"القمة" لـ هيومن رايتس ووتش إن المسئولين الأمنيين طمأنوهم بأنهم فقط عليهم أن ينتظروا حتى تنتهي القمة العربية وسيتم الإفراج عنهم بعدها – وأن احتجازهم "كان فقط إجراء احترازيا". هناك آخرون وصفوا أعمال ضرب وتهديدات عديدة والبعض وصفوا انتهاكات ترقى للتعذيب.


وفي مايو/أيار، قال رجل يبلغ من العمر 59 عاما، لـ هيومن رايتس ووتش إنه تم اعتقاله أواخر أكتوبر/تشرين الأول، في محافظة جنوبي العراق وتم ترحيله مع أكثر من 60 سجينا آخرين إلى منشأة احتجاز في بغداد، وقد حددها، لكنه طلب من هيومن رايتس ووتش ألا تكشف عنها. وقال: "عندما وصلت أول الأمر، كنت معصوب العينين، وكانت يدي مقيدتين خلف ظهري، وكان علي أن أمر على طابور طويل من الرجال، وجه كل منهم لكمات لي في الوجه وضربوا رأسي بكابلات كهرباء بينما مررت بهم. وأضاف: "بعد هذا، تم وضعي في الحبس الانفرادي لبعض الوقت، وبعدها قدموني إلى التحقيقات القضائية. لم أكن أصدق أنهم ضربوني بهذه القوة وأخضعوني لصدمات كهربائية لثلاث ساعات متواصلة، حتى من دون أن يوجهوا إلي أية أسئلة"
قال الرجل أيضا إنه أثناء استجوابات أخرى قام محتجزوه بتعريته تماما، وضربه بالكابلات الكهربية، ولكم أذنيه وصب الماء البارد فوقه، وصعقه بأقطاب كهربائية متصلة بظهره


أفرج عن الرجل في مارس/آذار، بعدما دفعت أسرته أكثر من 10 ألاف دولار في صورة رشاوى، وتدخل سياسي نافذ من أجله. وقبل مغادرته السجن، أجبر على توقيع ما قال إنه كان اعترافا، رغم أنه ليس متأكدا من محتواه، وكذلك تعهدا بألا يتحدث مطلقا "ضد الحكومة" وألا يتحدث إلى وسائل الإعلام عن احتجازه. وقال: "أخبروني أنني إذا خرقت أيا من هذه القواعد، فسوف يتم جلب أبنائي وتدميرهم، واغتصاب زوجتي". وأضاف: "وأثناء مغادرتي، قالوا لي ‘سنلقي القبض عليك مرة أخرى، وتأكد أنه سيتم إعدامك’".
أفراد أسر المعتقلين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش قالوا إنه لم تكن لديهم أيو فكرة عن مكان احتجاز ذويهم، رغم الاستجوابات العديدة التي قدموها لوزارة حقوق الإنسان ومقرات قوات الأمن التي اعتقلتهم. في حالات كشفت فيها الحكومة أماكن احتجاز السجناء، أعاقت قوات الأمن أو منعت تماما المعتقلين من الحصول على زيارات من المحامين أو الأقارب.
وقال محام يحاول تمثيل اثنين من المعتقلين أثناء حملة الاعتقالات التي رافقت "القمة"، قال لـ هيومن رايتتس ووتش: "نظريا، يمكن لمتهم أن يحظى بتوكيل محام للدفاع عنه، لكن على أرض الواقع، يعد هذا مستحيلا تقريبا. وقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما يتم إبلاغه فعليا بمكان الاحتجاز والسماح له بالدخول، فإنه يتم تركه منتظرا لساعات، بعدها يبلغونه بالعودة إلى حيث أتى لأن اليوم قد انتهى. وقال لـ هيومن رايتس ووتش: "أي محام يحاول أن يرى عميله سوف يخضع لتهديدات من القوات الأمنية التي تحتجز المعتقلين" مضيفا: "في عدة مرات خلال الشهور القليلة الماضية قالوا لي ‘إذن، تريد أن تمثل بعثيا وإرهابيا؟ أتعجب ما الذي يدفعك للقيام بهذا، لماذا تقف إلى جانبه؟’. هذه بوضوح محاولة لترهيب المحامين لئلا يقومون بالدفاع عن ضحاياهم".


الأسر التي حاولت تكليف محام بالدفع عن أقاربهم المعتقلين في حملة الاعتقالات "البعثية" قدموا روايات مشابهة للغاية. في ديسمبر/كانون الأول، قال رجل لـ هيومن رايتس ووتش إن أسرته ذهبت لأربعة محامين بالجنايات بصورة منفصلة، كانوا في بداية الأمر متعاونين. لكنه بعدما علموا أن والده تم اعتقاله في الحملة "البعثية"، "أبلغونا أنهم لا يمكن أن يتدخلوا في هذه القضية لأن الاعتقالات كانت بأمر من مكتب رئيس الوزراء." واستشهد بمحام قال له: "هذه القضية منتهية بالفعل. إنها قضية خاسرة، وأنا لا يمكن أن أكون جزءا منها، لأنهم تعرضوا للاعتقال بأمر رئيس الوزراء".


وقال الرجل: "من المدهش أن المحامين الأربعة كان لهم نفس رد الفعل وجعلنا هذا نفقد الأمل.. لم نحاول أن نجد محاميا آخر، وليس لدينا فكرة عن مكان احتجاز والدي".






هناك تعليق واحد: